مدمنو العمل المجهولون

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ما أكثر ما يسأل الواحد منا، نحن المتقاعدين من الوظيفة، من يلتقيهم من معارفه القدامى، بعد طول غياب أو انقطاع، كيف يقضون أوقاتهم بعد التقاعد، هل يشعرون بالفراغ، أم أنهم مستمتعون بتقاعدهم بممارسة ما يطيب لهم من هوايات، منشغلين بأمور في دائرة اهتمامهم، فمحبّو الرياضة يمارسونها لساعات يومياً، ومحبّو القراءة يستغلون أوقات فراغهم فيها، وهناك من يقولون إنهم أصبحوا كثيري السفر، ممن تسمح أوضاعهم المادية بذلك.

وقد نصادف من يقول إنه أصبح مشغولاً أكثر من سنوات عمله في الوظيفة التي تقاعد منها، لأنه انخرط في أعمال جديدة، لإدراكه أنّ الفراغ قاتل، ويضرّ بالصحة النفسية والجسدية أكثر من الخلود إلى الكسل والراحة، وهو قول يؤكده القائلون بشعورهم بالفراغ الكبير حين وجدوا أنفسهم بلا عمل، ودون التزام بروتين يومي، خاصة لجهة الساعات التي كانوا ينفقونها فيه، وتملأ الوقت الذي أصبح اليوم فارغاً.

يمكن أن نغبط من يشعرون بمتعة التقاعد ويقضون، بسببه، أوقاتاً سعيدة، يمارسون فيها ما يحبّون، وربما يحققون أحلاماً حلموا بها، ولكن ظروف والتزامات العمل السابقة حالت دون ذلك، فنالوا الفرصة وقد أصبحوا متقاعدين، وفي المقابل يمكن أن نشفق على أولئك الذين يجدون في أوقات الفراغ التي وفرّها التقاعد عبئاً عليهم، فباتوا يشعرون بالضيق والملل، خاصة أن الفراغ يحمل المرء حملاً على توهم أمراض نفسية وجسدية ما كان سيشعر بنظيرها لو كان منشغلاً بشؤون الحياة.

هناك فئة أخرى غير هؤلاء وأولئك. إنها الفئة التي يطلق على أصحابها «مدمنو العمل»، حتى أن البعض يصنف هذا الميل كنوع من المرض، وهذا ما نفهمه من تقرير نشر، قبل سنوات، عن برنامج علاجي أنشأته اليابان لمساعدة «مدمني العمل» على الشفاء منه، يتكون من اثنتي عشرة خطوة علاجية. وفي بعض ما قرأناه من أدب ياباني مترجم إلى العربية يمكن أن نلمس هذا الميل في الشخصية اليابانية التي ربيت على العمل المنضبط والصارم، الذي قد يتحول، مع الوقت، إلى حال الإدمان تلك، والتي وجد المسؤولون حاجة للمساعدة في العلاج منها.

ليست اليابان وحدها من تعرف هذه الظاهرة. مدمنو العمل موجودون في مختلف البلدان، وإن بنسب متفاوتة، حتى الشعوب المصنفة بالكسولة يوجد بين أبنائها مدمنو عمل. وقبل سنوات أيضاً عقد المهتمون بالأمر مؤتمراً دوليّاً في بريطانيا بحضور واسع من جميع أنحاء العالم. ولا تندرج غاية المؤتمر بالضرورة تحت البند الذي عناه برتراند راسل في كتابه «في مدح الكسل»، أي إنها حضّ على البلادة، فالغاية هي القول إنّ ناتج إدمان العمل ليس بالضرورة مفيداً، بل إن عواقبه السلبية طاغية على أي فائدة مرتجاة منه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4yrmwtrj

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"