عادي

ألبير كامو.. إرث فلسفي يثير الجدل

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
ألبير كامو

القاهرة: «الخليج»

خلال فترة الخمسينات كتب ألبير كامو في مذكراته: «أنا رجل عادي، والقيم التي يجب أن أدافع عنها، وأوضحها اليوم قيم عادية، إنها تتطلب موهبة أشك في أنني أمتلكها»، هذا التواضع الفكري ظهر في مقابلة صحفية جرت قبل شهر من وفاته عندما أشار المحاور إلى أن كامو كان مرشداً لجيله، كان رده واضحاً وفورياً: «أنا لا أتكلم باسم أحد، لدي صعوبة كافية في العثور على كلماتي الخاصة، أنا لا أرشد أحداً، أنا لا أعرف، أو أعرف إلى حد ما، إلى أين أنا ذاهب».

بعد أكثر من 60 عاماً من وفاته المفاجئة في عام 1960 عن عمر ناهز 46 عاماً لا يزال كامو مثيراً للأفكار، وفي كتاب «حياة تستحق أن تعاش.. ألبير كامو والبحث عن المعنى» (ترجمة إبراهيم قيس جركس) يقدم مؤلفه روبرت زارتسكي اختبارات شاملة وصارمة لحياته وعمله، ويساعدنا أيضاً على فهم قلقه المستمر ونصائحه في الفن والأدب.

نبوءة

قال ألبير كامو يوما: «حتى موتي سيطعن فيه، لكن كل ما أرغب فيه اليوم موت هادئ، يجلب السلام والطمـأنينة لجميع من أحبهم»، وقد تحققت تلك النبوءة التي كتبها خلال العقد الأخير من حياته، فقد ثار كثير من الجدل حول ميراثه كاتباً جزائرياً فرنسياً، عندما وصل ساركوزي إلى قصر الإليزيه، زار الجزائر، ولم يكن يرى سبباً يدفع فرنسا أن تعتذر للجزائر عن تاريخها الاستعماري، وكان ضمن مخططات زيارته الوقوف عند بلدة «تيبازة»، إحدى البلدات التي عاشت أحداثاً مأساوية خلال الاستعمار الفرنسي، وهي المكان الذي تردد إليه كامو مرات عدة خلال حياته القصيرة.

في عام 1936 كتب كامو «أعراس في تيبازة» و«العودة إلى تيبازة» عندما كان شاباً عاطلاً عن العمل، وصاحب طموحات كبيرة، وبعد عشرين عاماً عاد إلى تيبازة وقد غدا كاتباً كبيراً ذا شهرة عالمية واسعة، لكن نفسه لا تخلو من شكوك، عندما يقترب من القرية يتذكر الزيارة التي قام بها، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الأحداث الأخيرة قد غيرت المكان: جنود وأسلاك شائكة، تحيط بالأعمدة والأقواس، حيث وقف في يوم من الأيام، عاري الصدر مبتسماً، خلال تلك الرحلة التي تلت الحرب، بدت روح كامو سجينة أيضاً، كان العالم يبدو هناك وكأنه انهار، أو أصيب بالجنون.

في عام 2010 مع اقتراب الذكرى الخمسين لوفاة كامو كان الكاتب الكبير في قلب السياسة، فقد اقترح ساركوزي نقل رفاة الفيلسوف الفرنسي إلى مجمع «البانثيون» لكن أصواتاً معارضة من اليسار، رفضت الاقتراح، بحجة أن الرئيس الفرنسي يحاول استعادة إرث كامو، خدمة لأجندته السياسية، وأصرت تلك الأصوات على إبقاء الرفاة في «لورمارين»، التي اكتشفها كامو بعد الحرب، وانتقل للإقامة بها، بمساعدة صديقه الشاعر رينيه شار، قبل سنوات قليلة من وفاته، كان اليمين يعتبره من المحافظين الطليعيين الجدد.

عدالة

ظل كامو يجاهد لسنوات عديدة لإيجاد حل يلبي مقتضيات العدالة لكل من العرب والمستعمرين على حد سواء، مجازفاً بحياته في السعي إلى سلام مستحيل، فشل والتزم الصمت، حتى وفاته عام 1960، وبينما انقسم الرأي العام الفرنسي بشأنه، كان عدد كبير من الكتاب الجزائريين يرى أنه واحد منهم، فكانت آسيا جبار ترى أن روحاً أخوية تدعوها من أجل النظر والتأمل والتفكير في الفوضى الدموية لماضي الجزائر.

يرى هذا الكتاب أن كامو يظل ذلك الرجل، الذي وقفت حياته شاهداً على نوع من البطولة اليائسة، إن إدانته الشديدة للمعاملة التي تتعامل بها الحكومة الفرنسية مع العرب والأمازيغ، ومعارضته المستمرة لعقوبة الإعدام، وجهوده الشجاعة للتفاوض على هدنة والتوصل إلى حل وسط في الجزائر التي مزقتها الحرب كلها تعكس أفعال رجل سعى لربط حياته بفكره وفلسفته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3x2vv3em

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"