«الدرعمي» والبنت التي تحب الموسيقى

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

تصف نوال السعداوي والدها السيد في مذكراتها «أوراق حياتي» بإعجاب البنت بأبيها كما يقولون، تقول..: «أبي ينتمي إلى جيل ثورة 19 من أبناء الفلاحين الذين تعلموا وحصلوا على شهادات عليا. تعلّم قليلا من الكلمات الفرنسية بالجهد الذاتي. منها عبارة «أنا أحبك». يكتبها لأمي فوق قصاصة ورق أيام الخطبة. يسمي نفسه «درعمي مودرن»(درعمي تعني المتخرج في دار العلوم). يدخل معارك ضد فساد الحكومة. كان يمكن أن يكون وزيراً للمعارف لو أنه صادق صبري أبو علم، أو أحمد ماهر، أو النقراشي. يلتقي بهؤلاء أحياناً في الاجتماعات. يقف على المنصة ويعلن رأيه. حاول بعضهم استمالته لدخول الحزب، أو تأييد أحدهم في الانتخابات مقابل التصعيد في سلم الوزارة. كان محصناً ضد الرشوة بالفطرة والطبيعة والخوف من عقاب الله».

توقفت عند «الدرعمي» أي المتخرج في (دار العلوم)، كما قالت السعداوي، وكان المتخرج في جامعة الأزهر آنذاك يسمى (الأزهري)، وربما إلى اليوم الأزهري هو خريج الأزهر، أي أن الطالب الجامعي كان يحمل اسم جامعته بوصف الاسم امتيازاً كاديمياً واعتبارياً في الوسط الثقافي، لكن «الدرعمي» هذه مختلفة تماماً، فهي إدغام كلمة «دار» في كلمة «العلوم»، وهو الوصف الذي كان يعتز به ذلك الرجل العصامي المحصّن بالفطرة ضد الرشوة والفساد.

أحبّت نوال السعداوي الموسيقى وهي طالبة في الابتدائية. «مس ايفون» مُدرّسة الموسيقى كانت وراء هذا الحب. كانت (مس ايفون) شابة مصرية من الصعيد بشرتها سمراء بلون بشرة نوال السعداوي. قامة ايفون تقترب من قامة نوال، تلفّ خصرها النحيف بحزام جلدي عريض. شعرها قصير مجعّد تلفّه بشريط عريض من (التفاتاه)..

تصف السعداوي بيوت القرية في صور قروية ريفية انطبعت في ذاكرة طفلة كانت في السابعة من عمرها.. بيوت مبنية بالطوب النيئ. الطين الممزوج بالطين وهذا وصفها هي بالحرف.

«زريبة الحيوانات جزء من البيت. الأرض ترابية عارية من الأثاث، حصيرة من القش، زير مملوء بالماء من النيل الذي يسمّونه البحر».

طاقة استثنائية على الوصف بجمل مكثفة قصيرة، سريعة، تتماثل مع طبيعة طفلة كانت تلتقط الصور بعينين ذكيّتين، ولا تخاف من أحد. أبوها كان لا يخاف أحداً. لا الناظر، ولا الإنجليز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3eufw346

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"