باريس.. الآن

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

فكرة اللعب، في أساسها، فكرة فلسفية، وكل فلسفة هي رياضة،.. وكل رياضة هي صورة بدنية مباشرة تشرح لياقة الإنسان، وفرحته الوجودية باللعب، وكأن اللاعب الرياضي يستعير جملة (ديكارت).. أنا افكر، إذاً، أنا موجود، ليدوّرها إلى صيغة أخرى:.. «أنا ألعب، إذاً، أنا موجود..».

.. أهل الفلسفة هم الألمان في الثقافة الفكرية الحديثة، لكن جان بول سارتر، الفرنسي اللياقي البدني كما يبدو من فكره الوجودي هو الآخر كان يلعب، ولعلّ الرجل الذي وضع كتاباً صغيراً تحت عنوان (عارنا في الجزائر) كان لاعباً على نحو ما، مثل قريبه البيركامو، الذي ولد في عنّابة الجزائرية، وكان هو الآخر فلسفياً، ولعب كرة القدم، وفشل.

الآن، اللعب الأولمبي الجميل يجري تحت شمس فرنسا،.. ثم، يأتي إرهابي بكل معنى الكلمة، ويفسد صورة الجمال الأولمبي، لمجرد أنه متعصب، أو جاهل..

نحب الألعاب الأولمبية:.. الجري، القفز، السباحة، رمي الجلّة، ورمي السهم، حمل الأثقال، لأننا في مثل هذه الرياضات نجتمع معاً كبشر على مبدأ ثقافاتنا الشعبية، وكل رياضة أولمبية هي استعادة بدنية لتراث شعبي قديم.

يأتي في هذه اللحظة الجمالية المكثفة للمجتمع الرياضي والثقافي، بالوقت نفسه، شخص ما نكرة، جاهل، أو مريض أو حسود، ليفسد فرح البشر الأبرياء في اللحظة الكونية التي كانوا ينتظرونها مرّة كل أربع سنوات.

اللعب فن وفلسفة ولياقة، أياً كان هذا اللعب منذ أثينا وحتى باريس، وعبر كل تاريخ اللعب لم تكن السياسة والأيديولوجيا سوى إفساد للروح الجميلة في فكرة اللعب بحدّ ذاتها، تلك الفكرة الإنسانية التي تجمع البشر في أرض البشر.

أكتب هذه التداعيات على خلفية محاولات إرباك الألعاب الأولمبية في باريس. باريس الإنساني الكبير فيكتور هيجو، وباريس إميل زولا، وباريس الشاعر المائي جاك بريفير، وباريس العرب حين كانت عاصمة العشرات منهم وربما المئات في الستينات والسبعينات والثمانينات من قرن أوروبا وعاصمتها فرنسا،.. فرنسا، بودلير، ومالارميه، وسان جون بيرس، ثم فرنسا ومن عاش فيها:.. بيكاسو، وآرنسنت همنغواي، ومحمود درويش، وأدونيس، وأحمد عبد المعطي حجازي..

اللعب طبيعة بشرية فطرية،.. من حيث ندري ولا ندري، نلعب بالرمل والحصى والطين، بفطرتنا الآدمية الداخلية التي تدعونا إلى اللعب. نلعب بالماء فنسبح، ونلعب بالحديد والخشب والبرونز، فنصبح نحّاتين أو رسامين، ونلعب بالكتابة، فنصبح شعراء.

يأتي مريض نفساني من خلفية جاهلية، ويصب حقده على كل ما هو جميل.. يكسر اللعبة كلها، يضع يده على يد الفيلسوف ويكسرها، يريد القول هذا الجاهل: «.. أنا قاتل.. إذاً، أنا موجود».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nhap2jk2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"