عادي
صدر في الشارقة

«صورة ذاتية».. الشعر مغامرة تتطلب القارئ الذكي

15:16 مساء
قراءة 5 دقائق
«صورة ذاتية».. الشعر مغامرة تتطلب القارئ الذكي

الشارقة: علاء الدين محمود

المنتج الغربي في مجال الشعر كبير ومتنوع، خاصة التجارب الحداثية منه، التي تقدم دلالات على تطورٍ في الاتجاهات والأساليب وحتى الأغراض الشعرية، غير أن ما يصل منه إلى العالم العربي قليل، ولعل ذلك ما دفع دار روايات إلى الالتفات إلى ذلك الأمر، حيث قامت بترجمة وطباعة عدد من الدواوين الشعرية لمبدعين غربيين، ومن مختلف أنحاء العالم، وبعض هذه المجموعات تترجم عربياً للمرة الأولى، ما يضع القراء أمام تجارب جديدة، خاصة أن علاقة قوية تربط العرب بالشعر.

يعد ديوان: «صورة ذاتية في مرآة محدبة.. وقصائد أخرى»، للشاعر الأمريكي جون آشبري، الذي صدر في طبعته الأولى عام 2019، بترجمة: الشاعر السعودي غسان الخنيزي، من أهم هذه الدواوين الشعرية التي وفرتها الدار للقراء وعشاق الشعر العرب، ولم يسبق لدار عربية أن قامت بنشر ديوان لهذا الشاعر، رغم أهميته في خريطة الأدب العالمي، بخلاف بعض النصوص التي ترجمت ونشرت في مجلات وملاحق ثقافية لصحف عربية، وبذلك تقدم الدار فرصة جيدة للاطلاع على تجربة ونصوص آشبري، كتجربة مختلفة ومسيرة توجت بالعديد من الجوائز، إذ يعد هذا الديوان إحدى أهم المجموعات الشعرية الأمريكية المنشورة خلال الخمسين عاماً الماضية. وفيه يُعيد آشبري التّأكيد من خلال قصائده على قوة شعريته التي جعلته قامة لا يمكن إغفالها في الشعر المعاصر، وتشير الدار إلى «أن قصائده تشهق بجدتها ومغامراتها في لغة وتراكيب تفتح الوعي على مناطق قلّ اكتشافها، أو لم تُكتشف قط في الشعر الأمريكي».

  • قيمة

وللديوان قيمة أدبية وفنية عالية، حيث وجد صدى كبيراً، وتسابق النقاد والأدباء في الإشادة به، واستطاعت هذه المجموعة الشعرية أن تحصد العديد من جوائز الشعر الأمريكي أهمها: جائزة الكتاب الوطني، والجائزة الوطنية لحلقة النقّاد، فيما اعتبرها الكثير من المثقفين والمتخصصين واحدة من أهم المجموعات الشّعرية الأمريكيّة، حيث كتب عنه لونغدنهامر، رئيس قسم اللغة الإنجليزية في جامعة ييل: «لا قامَة تلوح في أفق الشعر الأمريكي خلال الخمسين عاماً المنصرمة أكبر من آشبري... ولم يمتلك شاعر أمريكي قط ما امتلكه من تنوع وثراء لغوي، لا والت ويتمان، ولا حتى عزرا باوند»، وتلك كلمات تؤكد على المكانة الكبيرة التي يحتلها الديوان وصاحبه على مستوى أمريكا والعالم، خاصة أن مقارنة النقاد لآشبري، بشعراء عالميين أصحاب مكانة رفيعة تكررت في كثير من البحوث والدراسات، وكانت النتيجة دائمة في مصلحة هذا الشاعر المجدد والمطور على مستوى المفردات واللغة والتراكيب والأساليب، واعتبره النقاد نقلة جديدة في الشعر المكتوب باللغة الإنجليزية، لما تمتلكه قصائده من قدرة تتفتّح على الكثير من المعاني وتسبر أغوار العديد من مناطق الوعي في النفس البشرية، وتضيء على مساحات واسعة لم يتم اكتشافها في الشعر الأمريكي، وربما ذلك ما دفع كاتب بقيمة بول أوستر للقول: «لا أحد يكتب الشعر مثل آشبري».

  • تأويل

يقع الديوان في 209 صفحات، وصدر للمرة الأولى في أمريكا في العام 1975، ويضم مجموعة من النصوص منها: «هذه الغرفة»، «تاريخ حياتي»، «شغب الطيور»، «كن جدياً» «إساءة»، «كلمات لذاك الأثر»، «عرض مشوق»، «هذا الاقتصاد»،، «قصيدة عن الاضطراب»، «النائمون مستيقظون»، «مقاومة رمزية»، وغير ذلك من النصوص التي تنهض بمعمار لغوي شاهق، وتضم التفاتات ومشاهد عامرة بالجمال، إضافة إلى المفارقات والرصد الدقيق للتفاصيل، وانفتاح على أفق إنساني ينشد واقعاً جديداً ومختلفاً، حيث تختبئ تلك المعاني خلف دلالات تبحث عن قارئ ذكي لكي يقوم بفعل التأويل.

وبالإضافة إلى القصائد الشعرية، يحمل الديوان كذلك نصوصاً نثرية شذرية معطرة بأريج الشعر ولغته، مثل تلك القطعة الرائعة التي أطلق عليها آشبري عنوان «القلب الشريد»، التي يقول فيها: «عندما أفكر في الانتهاء من العمل، عندما أفكر في العمل المنجز، يغمرني حزن عارم، حزن ويا للمفارقة يشبه الفرح، ها وقد وضعت ظروف العمل بعيداً، فكينونته تتملكني مثل قاطن منزل مستأجر. أين أنت الآن، أيها القلب الشريد؟ ».

وتشير مجلة «الشعر» الأمريكية، أن هذا الديوان نقطة تحول كبيرة في حياة الشاعر، بما يحمل من نصوص مميزة من نوعها، وهي القصائد التي تتضمن أفكاراً ومواضيع شعرية غير مطروقة، وكأنها تعلن لقاءً بين الفلسفة والشعر، كما اعتبرت هذه المجموعة في نظر العديد من الأدباء والنقاد نقطة تحول هائلة في الشعر الأمريكي في القرن العشرين، وعلى الرغم من أن نصوص الشاعر دائماً توصف بالغموض والإبهام، لكن لابد من خوض تجربة أو مغامرة قراءتها والتعامل معها لما تحمل من حكمة وقيمة عالية، فالشاعر هو ضمن مجموعة شعراء «مدرسة نيويورك الشعرية»، وهي تيار انطلق في حقبة الستينات من القرن الماضي، وضم شعراء كباراً من أمثال: فرانك أوهارا، وباربرا جيست، وكينيث كوخ، وجيمس شولر، وآخرين اتخذوا تقنيات مختلفة في الشعر، ورؤى تأملية لا تخلو من أسلوب السخرية.

  • عنوان

يكتسب عنوان المجموعة الشعرية «صورة ذاتية في مرآة محدبة»، دلالات جمالية وفلسفية ورمزية، فالشاعر وظف خبرته كناقد فني صنع قصيدة تشبه المقال الأدبي، يناقش موضوعا فنياً، إذ إن آشبري قد تأثر بلوحة «صورة ذاتية في مرآة محدبة»، للرسام فرانشيسكو ماتسولا أو بارميجانينو، «1503 - 1540م»، وهو ذلك الرسام صاحب القدرات التعبيرية المذهلة، التي امتد أثرها عبر القرون لتعانق عصرنا الحديث، خاصة لدى أعمال المبدعين من تيار ما بعد الحداثة في كافة المجالات من رسم وأدب، وذلك لأن منهجيته تعتمد على رؤية فكرية وفلسفية، وقد أعجب الشاعر باللوحة، فقرر أن ينتج قصيدة شعرية تحمل العنوان نفسه.

  • تأمل

ويشير الكتاب إلى، أن آشبري لم يكتف بالتماهي مع اللوحة، بل تعدى ذلك نحو صنع عوالم تأملية حول الفن نفسه وما يعنيه، ويفعل الشاعر ذلك بلغة رفيعة وأسلوبية راقية، الأمر الذي قاده إلى إنتاج هذه الأيقونة الأدبية التي باتت تحفة مستوحاة من عالم الفن والرسم، محاولاً قدر الإمكان أن لا يحاكي فقط لوحة بارميجيانينو، بل أن يطرح قضية جديدة تحتشد بالأسئلة والرؤى المتعمقة حول الإنسانية والحضارة

يعد جون آشبري «1927 - 2017» أحد أعظم شعراء أمريكا في القرن العشرين. له أكثر من 25 مجموعة شعرية، نال العديد من الجوائز، يتميز بمكانة خاصة في الأدب الأمريكي، إذ عُرفت بتعقيدها ما بعد الحداثي وغموضها، وقد اهتم الشاعر بالفن التشكيلي وخاصة المدرسة التعبيرية التجريدية، الأمر الذي دفعه لتشكيل قماشة قصائده على ذلك النحو الذي يشبه اللوحة أو فن الكولاج، فاز ديوانه الأول «بعض الأشجار» عام 1956 بجائزة جامعة «ييل» للشعراء الشباب، التي ترأسها حينها الشاعر المعروف و.ه. أودن، الذي اعترف لاحقاً أنه لم يفهم كلمة واحدة من المخطوطة الفائزة. كان رسمياً شاعر ولاية نيويورك بين 2001 و2003 وعميد الشعراء الأمريكيين بين 1988 و1999.

اقتباسات

  • «كان وبستر وشكسبير وكورنيل مناسبين لعصرهم لكنهم ليسوا حداثيين بما يكفي».
  • «المسألة هي أن (تبدو حداثياً) لا أن (تكون حداثياً)».
  • «كلماتك تحمل معاني كثيرة بمجرد انطلاقها».
  • «آخرون غيرك قاموا بالرحلة وقليل منهم وجدوا ما يثير التعجب».
  • «الحياة بأحزانها، الحياة بدموعها، وأنت تعرف ما يعني ذلك».
  • «طريق الرحلة كان سلساً، وما أن وصلنا حتى بدأت الأشياء تتجه نحو الجنون».
  • «كم هو محزن أن يتغير كل شيء».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y93d5fjp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"