تحولات فهم التاريخ

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في كل يوم يبتكر الكتاب والمؤلفون مصطلحات جديدة. في كتابها «عصر الأفندية» تتحدث لوسي ريزوفا عن مصطلح «التاريخ من المنتصف» وتعني به ذلك المنهج الذي يركز على حياة الناس اليومية وما يصاحبها من تحولات، ويقوم هذا المنهج على استخدام المؤرخ للكثير من الأدوات الجديدة التي تساعده على رسم صورة للعصر الذي يرصد وقائعه، مثل الصحف والمجلات والصور الفوتوغرافية. 
استخدمت ريزوفا كل هذه الأدوات لترصد دخول الحداثة إلى البلاد العربية، فالتصوير الفوتوغرافي تحديداً كان نقطة فاصلة في إقبال الناس على أحدث المبتكرات الوافدة من البلدان الصناعية مع ما صاحبها من تغير في الأفكار والرؤى.
ليست هذه المرة الأولى التي يحاول أن ينظر بعضهم لمصطلحات تاريخية توضح طريقة تعاطيه مع سير الأحداث أو فهمه للوقائع، فمن قبل سمعنا عن التاريخ من أعلى، وهو ذلك الأسلوب الذي يهتم بحياة الملوك والقادة والعظماء بالدرجة الأولى. وهناك التاريخ من أسفل، وهو على العكس تماماً، إذ يرصد حياة البسطاء والمهمشين ومن نسيتهم الحوليات التاريخية الكبرى، أو من سقطوا من متن التاريخ بمعنى آخر. وأيضاً ليست تلك المرة الأولى التي يوظف أحدهم أدوات غير تقليدية في معالجته للتاريخ، فمن قبل دار جدل واسع وطويل حول هل تصلح الصحيفة كوثيقة تاريخية أم لا؟ وتحدث بعضهم عن الرواية كمصدر من مصادر التاريخ،، وكثيراً ما قرأنا أن الشعر ديوان العرب، وهناك العديد من الوقائع تناولها الشعر الجاهلي في عصر لم يكن هناك من يشتغل بالتاريخ، وقيل كثيراً إن الشعر مرآة لحياة الجاهليين قبل الإسلام، أي أن الصرامة المنهجية التي يتمسك بها البعض عند الحديث عن مناهج وأدوات التاريخ فيها نظر كما يقال.
والسؤال الآن إزاء تعدد ملحوظ في فهم التاريخ، هل يمكن الاستفادة من مواقع التواصل والتكنولوجيا الحديثة عند كتابة التاريخ؟
إننا عندما نشاهد أحد الأفلام الآن ومن دون أن نعرف سنة إنتاجه أو عرضه، ولا نشاهد أحد أبطاله يستخدم الهاتف المحمول نتوقع أنه يدور قبل حقبة التسعينات من القرن الماضي، والواقع أن كل شيء حولنا بإمكاننا أن نوظفه عندما نؤرخ: الزي، فالموضة تؤشر على حقبة معينة، وربما بعض المفردات وبعض أنواع الطعام..الخ، يعترف بعض المؤرخين التقليديين بأهمية هذه المفردات ولكنهم يعتبرونها أدوات بحثية من الدرجة الثانية، ولكن الاتجاهات الحديثة في التأريخ ربما اعتمدت عليها بالأساس.
نقطة ثانية تخلى عنها التأريخ التقليدي، تتمثل في ضرورة موضوعية المؤرخ، فبعد مئات التجارب أعلن الكثيرون أن لا موضوعية في التاريخ، وأنه لا بد من قناعات يتمسك بها المؤرخ حتى ولو لم يقصد أن يعبّر عنها مباشرة فإنها تنعكس حتى في اختياراته والأدوات التي يعتمد عليها.
هل التغيرات التي طالت فكرة التاريخ ومناهجه وأدواته حدثت بفعل التطور الطبيعي للعلم نفسه، أم أنها نتيجة انهيار الأفكار الكبرى والشك في الكثير من المفردات التي صاغتها مرحلة التنوير؟ سؤال يحتاج إلى مراجعة شاملة للعصر الذي نعيش فيه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2432w5mv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"