عادي

عذب الكلام

23:24 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
من بَراعة استهلال النّظم، قولُ محمد بن الخياط:
لَمَسْتُ بِكَفّي كَفَّهُ أَبْتَغي الغِنى
ولَمْ أَدْرِ أنَّ الجودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدي
فلا أنا مِنْهُ ما أَفادَ ذَوو الغِنى
أَفَدْتُ وأَعْداني فَأَنْفَدْتُ ما عِنْدي
وقولُ البُحتريّ:
أَعْدَتْ يَداهُ يَدي وشَرَّدَ جودُهُ
بُخْلي فأَفْقَرَني كَما أَغْناني
ووَثِقْتُ بالخُلُقِ الجَميل مُعَجّلاً
مِنْهُ فأَعْطَيْتُ الّذي أَعْطاني
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
إِنّي وإِن كانَ
الرّاعي النُّمَيْري
(بحر الكامل)
إِنّي وإِنْ كانَ ابنُ عَمّي كاشِحاً
لَمُزاحِمٌ مِنْ خَلْفِهِ ووَرائِهِ
ومُفيدُهُ نَصْري وإِنْ كانَ امْرَأً
مُتَزَحْزِحاً في أَرْضِهِ وسَمائِهِ
وأَكونُ والِيَ سِرِّهِ فَأَصونُهُ
حَتّى يَحينَ عَلَيَّ وَقْتُ أَدائِهِ
وإِذا دَعا بِاسْمي لِيَرْكَبَ مَرْكَباً
صَعْباً قَعَدْتُ لَهُ عَلى سيسائِهِ
وإِذا الحَوادِثُ أَجْحَفَت بِسَوامِهِ
قُرِنَتْ صَحيحَتُنا إِلى جَرْبائِهِ
وإِذا أَتى مِنْ وَجْهِهِ لِطَريقِهِ
لَمْ أَطَّلِع مِمّا وَراءَ خِبائِهِ
وإِذا ارْتَدى ثَوْباً جَميلاً لَمْ أَقُلْ
يا لَيْتَ أَنَّ عَلَيَّ حُسْنَ رِدائِهِ
ومَتى أَجِئهُ في الشَّدائِدِ مُرْمِلاً
أُلْقي الَّذي في مُزْوَدي لِوِعائِهِ
وإِذا جَنى غُرْماً سَعَيتُ لِنَصْرِهِ
حَتّى أُهينَ كَرائِمي لِفِدائِهِ
من أسرار العربية
في جَذْر «قول» وتقلّباته، ومعانيه: «ق و ل»: القَوْلُ، لأنَّ الفَمَ واللّسانَ يخِفَّانِ لهُ ويَقْلَقانِ، وهو ضِدُّ السُّكوتِ الدّاعي إلى السُّكون. وقَالَ يَقُولُ قَوْلاً، والفَاعِلُ قَائِلٌ، والمَفْعولُ مَقُولٌ. وقَدْ يُسْتَعْمَلُ القَوْلُ فِي غَيْرِ الإِنْسَانِ، قالَ أَبو النَّجْمِ:
قالَتْ لَهُ الطَّيْرُ تَقَدَّمْ راشِدا
إِنَّكَ لا تَرْجِعُ إِلَّا حامِدا
«ق ل و»، وقَلا يقلو قَلْواً: ساقَ سَوْقاً شَديداً. وقَلا الإبلَ: شَلَّها وطَرَدَها. والقِلْوُ: الحِمارُ الخَفِيفُ. «و ق ل»، وقَلَ فِي الجَبَلِ، بِالفَتْحِ، يَقِلُ وَقْلاً ووُقُولاً وتَوَقَّلَ تَوَقُّلاً: صَعَّدَ فِيهِ. وفَرَسٌ وقِلٌ ووَقَلٌ، وكَذَلِكَ الوَعِلُ. قالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
عَوْداً أَحَمَّ القَرا إِزْمَوْلَةً وقَلاً
يَأْتِي تُراثَ أَبِيهِ يَتْبَعُ الْقَذفا
«و ل ق»: وَلَقَ يلِق إذا أسرع. «ل و ق»: لاقَ الشَّيْءَ لَوْقاً ولَوَّقَهُ: لَيَّنَهُ. ولَوَّقَ طَعامَهُ: أَصْلَحَهُ بِالزُّبْدِ. «ل ق و»: اللَّقْوَةُ: داءٌ يَكُونُ فِي الْوَجْهِ يَعْوَجُّ مِنْهُ الشِّدْقُ. واللَّقْوَةُ وَاللِّقْوَةُ: الْعُقَابُ الْخَفِيفَةُ.
هفوة وتصويب
يكثُرُ استخدامُ مثلِ هذهِ الجُملة: «السَّجادةُ عِبارَةٌ عنْ صوفٍ مَنسوجٍ»، أو «البِناءُ عِبارَةٌ عنْ حِجارة..» وهو استِخْدامٌ خطأ، لأنَّ «العِبارةَ» هي الكلامُ الذي يبيّنُ ما في النّفسِ من مَعانٍ. والصّوابُ القولُ: «السّجادةُ صوفٌ منسوجٌ»، و«البِناءُ حِجارةٌ..». ويقول آخرون: «اعتذر منه بسبب كذا..»، أو «اعتذر عن حضور الاجتماع» وهما خطأ، والصّوابُ «اعتذر إليه، من كذا»، واعتذر عَنْ عدم الحضور..» قال لَبيدُ:
ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فَقَدِ اعْتَذَرْ
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسمُ السّلامِ عليكما
فالعُذْرُ، هو رَوْمُ الإنسان إصلاحَ ما أُنكِرَ عَلِيْه بكلامٍ. فالاعْتِذارُ يكون من الذنب، إلى آخرين.
من حكم العرب
إذا ترحَّلتَ عَنْ قَوْمٍ وقَدْ قدَروا
ألّا تُفارِقهُمْ فالرَّاحلونَ هُمُ
شَرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ بهِ
وشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
البيتان لأبي الطيّب، يقول إنّ الغياب الحقيقي للمرء عن المكان الذي هو فيه، هو غياب الفكر والمحبّة والوفاء، فمن لا يهتمّ لغيابك إذا رحلت، فإنّه هو الغائب.. وخير الأمكنة في هذه الحياة، هو الذي يضمّ صديقاً حقيقياً..

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc33zpzz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"