قبل رثاء الموسيقى العربيّة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

لماذا تمثّل الموسيقى العربيّة عقبةً حرجةً تحول دون أيّ تحوّل نهضويّ جادّ في الثقافة العربيّة؟ معذرةً، يجب أن يكون المثقفون على نيّاتهم، إذا توهّموا أن الشعر أو القصة أو الفنون التشكيلية، من دون الموسيقى قادرة على الارتقاء بالذوق العام والإحساس بالجمال.
المأساة الثقافية في البلاد العربية، هي أن الأوساط الثقافية، وفي صفوة صفوتها المفكرون، على غير إلمام بمقام الموسيقى في سلّم الحضارة. لا تذهب إلى بعيد، فالأسباب جليّة: لكي يحيط الناس بمكانة هذا الفن في منظومة مكوّنات الثقافة، يجب أن تتوافر ثلاثة عناصر: الفلسفة، الرياضيات والفيزياء.
في اليونان القديمة لم تكن الفيزياء مثلما هي في العصر الحديث، لكن فلاسفتهم، منذ ما قبل السقراطيين، أدركوا أن الموسيقى قائمة على الرياضيات. ومن ثم تحدثوا عن موسيقى الأفلاك. تصوّروا أن المسافات بين الكواكب، مثل المسافات بين الدرجات الصوتية. تلقّف فلاسفة الإسلام تلك النظريات وبنوا عليها. للأسف، كانت الغلبة، خصوصاً في عصر الانحطاط، للقائلين بتحريم الموسيقى، والإسلام بريء من تلك الأمور التي أخذها أصحابها عن اليهود، الذين تخلّوا عنها منذ القرن السابع عشر، وتورّط فيها متبنّوها إلى القرن العشرين.
الشعراء والروائيون والتشكيليون، الذين يزعجهم القول إنهم ليسوا قادرين وحدهم على الاضطلاع بريادة الارتقاء بالذوق العام والإحساس بالجمال عل صعيد الشعوب، في العالم العربي تحديداً، عليهم التكرّم بإعادة النظر في المعطيات، التي لا تضعها المؤسسات الثقافية على جدول أولويات البحث والدراسة، وإطلاع سلسلة مراتب المسؤولية على نتائجها.
أمامنا مستويات عدّة من المعضلات المزمنة: نسبة مقلقة من تفشي الأمّية، تسارعها كسيّارات السباق. كان نموّ الأمّية يتصاعد طوال القرن العشرين، جرّاء التقصير في محو الآفة. بعد غزو العراق في 2003، وتداعي أحجار الدومينو في سوريا وليبيا ثم السودان، والبقية تأتي، صارت الأمّية هي النموّ الوحيد في الدول الفاشلة. في نخبة المفكرين والأدباء، لا أثر لعرض الموسيقى الجادّة وتحليلها ونقدها.
هل رأى أحدٌ أحداً من تلك النخب يتحدث عن فلسفة الموسيقى وفلسفة الجمال؟ هل طرح أحد ضرورة إيجاد فلسفة للموسيقى العربية؟. بل هل شاهد العرب موسيقيّاً عربيّاً يتناول أسباب انهيار الموسيقى العربية، وسبل إنقاذها؟ هل لمعاهد الموسيقى دور في الارتقاء بالذوق العام؟ الموسيقى تشكل 70% من ثقافة الشعوب، وإذا كانت هذه هي حالها، فآه للثقافة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التكريميّة: على الشعراء العرب أن تجود أعينهم ولا تجمد في رثاء الموسيقى العربية، على خطى الخنساء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n89p9kb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"