غزة..في مواجهة العصا والجزرة

03:12 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة أوضاعاً انتقالية حادة تتقلب بين التوتر الذي يوحي بقرب نشوب حرب، والهدوء الذي يبشر بانفراجة. ويتعامل الاحتلال مع القطاع وكأنه مختبر تجارب يجري التعاطي مع أهله بطريقة العصا والجزرة، بهدف ترويض شعبه ودفعه لتقبل الإجحاف الشامل بحق فلسطين.
كانت آخر هذه المحاولات ما جرى ليلة السبت - الأحد الفائت عندما شنت الطائرات الحربية الصهيونية غارات على عدة مواقع في القطاع، وأعلنت عن سحب «التسهيلات»، وبينها أذونات السفر للتجار، وتقليص نطاق الصيد في البحر المتوسط.
وتسارعت وتيرة التقلب بين التوتر والهدوء مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في الكيان، حيث يخوض كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير حربه نفتالي بينت جانباً من معركتهما الانتخابية على حساب أهالي قطاع غزة. وفي هذا الإطار يتم استغلال ردود فعل القطاع على استمرار تجاهل التفاهمات بشأن «التسهيلات» عن طريق إطلاق البالونات وبعض قذائف الهاون على مستوطنات غلاف غزة.
وتوحي معطيات كثيرة بأن الاحتلال بعد أن جرب كل وسائل الحصار والتضييق على القطاع صار أقرب إلى الاقتناع بعدم جدوى ذلك، لكنه عاجز عن القطع مع هذه الوسائل لانعدام البديل.

تدخل دولي ومصري

فالاحتلال العاجز عن التوصل مع الفلسطينيين عموماً إلى تسوية معقولة يجد نفسه مرتاحاً للانقسام الفلسطيني وميالاً لإدارته بطريقة «فرّق تسد». لكن هذه الطريقة تصطدم بواقع أن المقاومة في القطاع، وإن كانت معنية بالتسهيلات، إلا أنها لا تتخلى عن منطلقاتها الصراعية السياسية والميدانية. وهكذا فإن انعدام أفق الحل السياسي الشامل من جهة، وعدم توفر حلول لما يعرف بقضية الأسرى يحولان دون تحقيق أي اختراق فعلي. وهكذا تبدو الأمور تدور حول نفسها بضربات عسكرية متبادلة هنا وهناك تدير الصراع ولا توفر حلولاً له.
وقد فاقم نشر الإدارة الأمريكية ل«صفقة القرن» من حدة التوتر مع قطاع غزة، وهو ما أعاد إلى الأجواء ظاهرة إطلاق البالونات الحارقة وقذائف الهاون. وتدخلت جهات دولية بينها الوسيط الأممي نيكولاي ميلادينوف والمخابرات المصرية لمنع تدهور الوضع إلى مواجهة حربية شاملة. ومعروف أن في الكيان مدرستين تنظران إلى طريقة تعامل مختلفة مع القطاع، واحدة تدعو إلى الضرب بشدة، وأخرى تطالب بإدارة متوازنة للحفاظ على المصالح العليا. ويشكل القطاع شوكة قوية في حلق الكيان تجعله عاجزاً عن إخراجها أو ابتلاعها، خصوصاً بعدما صار يمتلك قوة إيذاء صاروخية كبيرة.
وليلة السبت - الأحد أعلن الاحتلال عن سقوط قذيفتي هاون على إحدى المستوطنات، وبادر إلى غارات جوية على مواقع للمقاومة في القطاع. وقبل الغارات نشر منسق النشاطات «الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة بياناً عن إلغاء «الخطوات المدنية المخطط لها تجاه قطاع غزة، أي تقليص نطاق الصيد، وإعادة 500 إذن سفر لتجار، ومنع إدخال الأسمنت». وأضاف بيان المنسق أن «استمرار السياسة سيتقرر فقط وفق الأفعال على الأرض.. وحماس تتحمل المسؤولية عما يجري في القطاع. وطالما لا يحافظ على الهدوء، فإن دولة (إسرائيل) ستتصرف على هذا النحو».

التراجع عن التسهيلات

وكانت «إسرائيل» قد أعلنت يوم الخميس الفائت عن «تسهيلات» للقطاع بعد وساطة جهة دولية يعتقد أنها المبعوث الأممي ميلادينوف. وبين «التسهيلات» المقصودة إعادة نطاق الصيد البحري المسموح به لصيادي القطاع إلى 15 ميلاً، ومنح 500 من تجار القطاع أذونات سفر، وإعادة تزويد القطاع بالأسمنت. وسبق الإعلان عن التسهيلات وصول وفد المخابرات المصرية إلى القطاع، واجتماعه مع قيادة حماس. وحسب ما تم نشره، فإن الوفد المصري نقل رسائل تهديد «إسرائيلية» قوية للقطاع، مفادها أنه إذا لم يسد الهدوء، فلا مفر من ضربة عسكرية قوية. من جانبها أعلنت حماس أنها معنية بالهدوء طالما نفذ الجانب «الإسرائيلي» تعهداته بشأن التفاهمات والتسهيلات المتفق عليها. وأشار التلفزيون «الإسرائيلي» إلى «اختراقة إيجابية في مساعي التهدئة مع حركة حماس» ولكن خلال يوم واحد تم إلغاء «التسهيلات» والعودة إلى سياسة العصا الغليظة.

تهديدات قوية

ومن الجائز أن التهديدات القوية أثناء المعركة الانتخابية تخدم القيادة «الإسرائيلية»، خصوصاً إذا لم يستتبع ذلك اضطرار «الإسرائيليين» للنزول إلى الملاجئ واضطراب حياتهم اليومية. وهذا ما حدا برئيس الحكومة ووزير حربه إلى الإكثار من مثل هذه التهديدات مؤخراً. وأعلن نتنياهو «أننا لن نقبل أي اعتداءات من غزة. وأنا أقترح على حماس والجهاد الإسلامي إنعاش ذاكرتهم. فقط قبل بضعة أسابيع اغتلنا قائداً كبيراً للجهاد الإسلامي في غزة. وأنا لن أسهب وأذكر كل عملياتنا، ولكننا مستعدون وجاهزون لعملية قاصمة ضد منظمات الإرهاب في غزة». وهدد بأن العملية التي يتحدث عنها «ممكنة قبل الانتخابات، الهدوء سيقابله هدوء، والقوة سيقابلها شيء من الصعب عليهم تخيله».
وبعد ذلك أعلن نفتالي بينت أن «دولة إسرائيل لا تتوق لحرب ضد حماس في قطاع غزة، لكننا ملتزمون بأمن سكان الجنوب». وأضاف أن «السلوك غير المبالي من جانب قادة حماس يقربنا من عملية فتاكة ضدهم. ونحن لن نعلن متى، ولن نعلن كيف ستتم هذه العملية. إن عمليتنا ستكون مختلفة جداً عن سابقاتها، ولا أحد سيكون محصناً». وأشار بينت إلى أن على حماس «الاختيار بين الحياة والازدهار الاقتصادي، أو الإرهاب ودفع ثمن باهظ. أفعالهم تقربهم، وأفعالهم تبعدهم».
وتشهد الحلبة «الإسرائيلية» سجالات حادة حول سبل التعامل مع قطاع غزة عموماً، وحول الهجوم أم ضبط النفس خصوصاً. ولا يقتصر هذا السجال على الدوائر بين الحكومة والمعارضة، حيث يحتل القطاع جانباً مميزاً في الصراع بين الليكود و«أزرق أبيض». كما لا يقتصر على سجال دائم بين الحكومة والجيش، حيث ظهر هذا الخلاف مرات كثيرة إلى العلن. ومؤخراً ظهر الخلاف واسعاً داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر.

مزايدات انتخابية

وكان وزير الهجرة الجنرال يؤآف غالانت قد حمل على وزير الحرب بينت وسياسته تجاه قطاع غزة. وقال: إن «حماس أطلقت خلال الأسبوعين الأخيرين عشرات العبوات الناسفة عبر بالونات إلى (إسرائيل). وهذا عمل إرهابي وتصعيد خطير. ويتبين لنا أن من أطلق كلاماً فارغاً عديم القيمة في الماضي، وأساسه انعدام الفهم وانعدام الخبرة، يعاني حالياً قلة فهم الوضع، وعدم توفير الرد المناسب». وشدد على أن «المجلس الوزاري المصغر يسمح لوزير الحرب بالعمل بشكل مغاير، وينبغي، بل يجب تغيير هذا الوضع».
وواضح أن الوضع الذي لم يوجد له حل منذ سنوات طويلة ليس قابلاً للحل خلال المستقبل المنظور. فالاحتلال يتعامل مع القطاع على أنه برميل بارود قابل للانفجار في كل لحظة، ولذلك فإنه يتعامل معه بحذر أشد من أي وقت مضى. وما التهديدات بعملية ساحقة قبل الانتخابات إلا جزء من اللعبة الانتخابية. فالجميع يعلم أن لا حل لمشاكل القطاع من دون حل شامل للقضية الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"