ليبيا.. الحل ينتظر معجزة

03:06 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

انتهت الجولة الأولى من محادثات جنيف في الثامن من فبراير بين طرفي الأزمة في ليبيا، دون التوصل إلى اتفاق على تحويل الهدنة المؤقتة التي تم إبرامها إلى اتفاق دائم وشامل لوقف إطلاق النار.
عدم الاتفاق النهائي يعكس حجم التحديات الكبيرة التي تواجه اللجنة العسكرية المشتركة المشكلة من عشرة ضباط (خمسة من قوات الجيش الوطني وخمسة من القوات التابعة لحكومة الوفاق) برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا غسان سلامة، ومهمتها في تثبيت وقف إطلاق النار والتي كانت أبرز مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد حول ليبيا في التاسع عشر من شهر يناير.

تحديات عدة

على الرغم من اتفاق الجانبين على عقد جولة جديدة من المفاوضات في جنيف في الثامن عشر من فبراير/شباط الحالي، إلا أن تثبيت وقف إطلاق النار وتحويل الهدنة إلى اتفاق دائم يواجه العديد من التحديات أبرزها:
* أولاً: أن الهدنة التي أبرمها الطرفان برعاية روسية تركية تتسم بالهشاشة وتعرضت للانتهاك أكثر من مرة، خاصة من جانب الميليشيات التي تسيطر على العاصمة طرابلس؛ حيث أبرمت دون وجود ضمانات حقيقية وإشراف مباشر من أطراف يمكن لها أن تمتلك آليات واضحة لمتابعة تنفيذ الهدنة ومعاقبة الطرف الذي ينتهكها، كما أن الهدنة أبرمت بين طرفين متناقضين، الأول هو قوات الجيش الوطني الليبي وتمثل جهة نظامية موحدة يمكن السيطرة عليها والتحكم في قواتها وقرارها، والثاني هو ميليشيات مسلحة متعددة ومتناقضة تسيطر على العاصمة ويصعب السيطرة عليها، ولهذا نجد بعض الميليشيات تلتزم بوقف إطلاق النار، بينما لا تلتزم ميليشيات أخرى بها مما يزيد من صعوبة تثبيت وقف إطلاق النار، وبدا وكأن طرفي الهدنة يستغلونها فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوضاع بما فيها الحصول على أسلحة جديدة ودعم عسكري استعداداً للمعركة المقبلة.

الأمني والسياسي

* ثانياً: أن التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار ينبغي ألاّ يكون منعزلاً عن التوصل إلى اتفاق سياسي شامل، فالمسار الأمني لا يمكن أن ينجح طالما أن المسار السياسي يتعثر، وهو ما يجعل الهدنة القائمة مجرد تفاهم هش يمكن أن ينهار في أي لحظة، وهو ما حدث في الانتهاكات المتواصلة واستئناف القتال على محاور متعددة في محيط العاصمة طرابلس، وبالتالي فإن نجاح المسار الأمني ينبغي أن يكون متوازناً مع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أي أن يكون الهدف ليس فقط مجرد وقف لإطلاق النار بين طرفي الأزمة والإبقاء على الوضع الراهن؛ بل من المهم أن يكون وقف إطلاق النار ضمن تسوية سياسية شاملة تشمل مستقبل ليبيا وإنهاء حالة الانقسام الحالية ما بين حكومتين في الشرق والغرب، وأن تكون هناك سلطة موحدة ضمن حكومة واحدة، أي إعادة بناء الدولة الليبية ومؤسساتها الشرعية، خاصة الجيش الوطني والشرطة، ليكونا قادرين على بسط الأمن والاستقرار، وأن يكون احتكار السلطة والسلاح في أيدي الدولة الليبية فقط، في إطار يحافظ على وحدتها واستقرارها وسيادتها، ومن ثم نزع أسلحة الميليشيات المسلحة التي تسيطر على العاصمة طرابلس وإعادة دمجها في القوات الأمنية أو تسريحها وتوفير وظائف لها، وبالتالي فإن مجرد التوصل إلى اتفاق نار دائم، حتى مع النجاح في ذلك وهو أمر صعب، دون تسوية سياسية شاملة لن يكون سوى إبقاء الأوضاع على ما هي عليه وإطالة أمد الأزمة واستمرار حالة الانقسام والاستقطاب الداخلي في ليبيا، ومن ثم استمرار التداعيات السلبية للأزمة، وزيادة معاناة الشعب الليبي أمنياً وعسكرياً مع استمرار القتل ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين بسبب العمليات العسكرية، كذلك استمرار إغلاق موانئ النفط وحرمان الشعب الليبي من ثرواته، إضافة إلى استمرار غياب الدولة الموحدة في ليبيا وما يترتب عليه من تحول ليبيا إلى بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة التي تدعمها أطراف خارجية، مما يشكل تهديداً للأمن القومي الليبي، وكذلك لدول الجوار والأمن الإقليمي.

التدخل الخارجي

* ثالثاً: أن الدور الخارجي في الأزمة الليبية، شكّل جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، فقد أدت التدخلات الخارجية المستمرة خاصة التدخلات التركية وقيام تركيا بإرسال قوات عسكرية ولوجستية ونقل آلاف المرتزقة والإرهابيين إلى العاصمة طرابلس للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق، إلى تعقيد الأزمة وشكل ذلك عائقاً أمام التوصل إلى تسوية سياسية شاملة بسبب تعنت تلك الميليشيات، كما أنه زاد من تعقيد الأوضاع العسكرية على الأرض وعائقاً أمام التوصل إلى اتفاق إطلاق نار دائم؛ حيث قبلت ميليشيات حكومة الوفاق بالهدنة نتيجة لتقدم قوات الجيش الوطني الليبي وإحرازه انتصارات عسكرية مهمة بعد تحرير مدينة سرت وتطويق مدينة مصراتة والتقدم على محاور عدة في محيط العاصمة طرابلس، خاصة عين زاره ومحور صلاح الدين وطريق المطار والسيطرة على العديد من الأحياء وعلى رأسها حي أبو سليم، ما جعل تركيا تتدخل لدى روسيا للضغط على المشير خليفة حفتر للتوصل إلى هدنة، وذلك لإنقاذ ميليشيات طرابلس، بينما قبل الجيش الوطني الليبي بالهدنة حقناً لدماء الليبيين وإفساح المجال أمام جهود الحل السياسي، ولذلك فإن أطرافاً عدة، كما أعلن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، شاركت في مؤتمر برلين ولم تلتزم بمخرجاته ودعمت ميليشيات طرابلس ما شكل عائقاً أمام تثبيت وقف إطلاق النار، كما أن التدخلات الخارجية، أسهمت في زيادة حدة الاستقطاب بين الأطراف الليبية مما زاد من تعقيد الأزمة وإطالة أمدها.

الحل ليبي

وعلى الرغم من حالة الزخم الكبيرة التي شهدتها الأزمة الليبية في الفترة الأخيرة والعديد من التحركات الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها مؤتمر برلين، ومساعي الاتحاد الإفريقي لإرسال قوات حفظ سلام إفريقية إلى ليبيا، كما ناقشت القمة الإفريقية الأخيرة بإثيوبيا، وعلى الرغم من جهود بعض دول الجوار وعلى رأسها الجزائر التي دعت إلى حوار بين الأطراف الليبية، فإن الحل يظل ليبياً بالأساس وبأيدي الليبيين وليس بأيدي غيرهم، وهذا يتطلب عقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف الليبية وإنهاء حالة الاستقطاب والانقسام والاتفاق على مستقبل ليبيا من خلال خريطة طريق واضحة وشاملة ترتكز على إعادة بناء الدولة ودعم المؤسسات الشرعية، وعلى رأسها الجيش الوطني والشرطة، وتفكيك ونزع أسلحة الميليشيات المسلحة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تكون مهمتها الإعداد لكتابة دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومواجهة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، والعمل على إعادة إعمار ليبيا وتوظيف ثرواتها الضخمة من النفط والغاز لصالح كل الليبيين، وهذا يتطلب أيضاً وقف التدخلات الخارجية السلبية خاصة التركية، ومن دون ذلك فإن الأزمة الليبية ستراوح مكانها سنوات عدة، وسيكون وقف إطلاق النار في مهب الريح.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"