معركة «البحر الجنوبي»

04:29 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

منذ فترة، ليست بالقصيرة، يتصدر بحر الصين الجنوبي نشرات الأخبار بعدما أصبح واحداً من أكثر فضاءات الصراع بين بكين وواشنطن، وقد يشهد أحداثاً تحبس الأنفاس في الأسابيع القليلة المقبلة، مع توالي نذر صدام محتمل بين القوتين العظميين في تلك المنطقة الحيوية من العالم.
هناك طروحات عدة تشير إلى أن الحروب الكبرى والفاصلة بين عهد وآخر تندلع شرارتها في المضايق البحرية عندما يلجأ الخصوم لخنق بعضهم بعضاً بوسائل مختلفة تصل ذروتها إلى اتباع سياسة الحصار، واستهداف قوافل الملاحة أو تهديدها.
ويحمل الخطاب السياسي والعسكري الصادر من بكين وواشنطن هذه المعاني، في وقت تعج فيه تلك المساحة المائية، التي يمر منها ثلث الشحنات البحرية العالمية، بالمدمرات وحاملات الطائرات والغواصات شديدة الفتك، وما يصاحب ذلك من خطاب يميل إلى التصعيد أكثر من التهدئة. فهذا وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر يطالب بلاده بتعزيز قدراتها النووية؛ لمواجهة النمو السريع للترسانة النووية الصينية واتساع نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادي، مؤكداً عدم التراجع هناك شبراً واحداً. وبالمقابل ترد بكين بأن التصرفات الأمريكية تعرّض أرواح الضباط والجنود على الخطوط الأمامية للخطر، وتشدد على أنها ليست خائفة من «الاستفزاز والضغط».
واقع الحال يشير إلى أن التوتر بين البلدين يتدحرج ككرة اللهب من ميدان إلى ميدان، وربما ستكون منطقة بحر الصين الجنوبي هي الساحة الأثيرة لواشنطن، على الأرجح، لتكون حلبة المواجهة والضغط، مع الحرص على عدم خروج الوضع عن السيطرة والدخول في حرب مفتوحة، فذاك السيناريو لا يرغب به أحد، وغير مسموح لاعتبارات عدة، فالصين لا تريده والولايات المتحدة لا تستطيع تحمل أعبائه، ودول تلك المنطقة ليس في حسبانها الحرب أو مواجهة بكين عسكرياً في الصراع على الثروات الهائلة الكامنة في أعماق البحر. ومع ذلك لا يمكن الاطمئنان إلى الأبد، فالخطأ الفادح وارد، والجنون المحسوب غير مضمون. والثابت أن الأزمة الدائرة بين الصين والولايات المتحدة تاريخية بالفعل، وتحمل في ثناياها إرهاصات لتحول كبير سيضرب هرم القيادة في العالم.
بحر الصين الجنوبي هو ساحة المعركة، وفوق مياهه تتواجه بكين وواشنطن لتصفية الخلافات بينهما أو التوافق بشأنها، بدءاً من الجدل حول جائحة «كورونا» إلى التجارة والتكنولوجيا المتقدمة والملكية الفكرية، ومثل هذه المسائل لا تحلها «الحرب»، التي ستزيدها خطراً واتساعاً واستقطاباً، والحل يبقى في الحوار والتفاوض. وإذا تعرضت الولايات المتحدة لجروح غائرة جراء سياساتها المتناقضة وحروبها غير المدروسة ومتاعبها الاقتصادية الجمة، فإن الصين الواثقة من أنها القوة الصاعدة ما زالت تتمسك بخيار التسلل الناعم في عصب العالم، دون حاجتها لاصطناع الأعداء أو افتعال الحروب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"