الصين في الانتخابات الأمريكية

02:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

بغض النظر عن تحول الصين إلى البند الانتخابي الأول في برنامجي الحزبين الكبيرين في أمريكا، فإنها أصبحت فعلياً هي سؤال أمريكا الوجودي.

لم يكن في نية الحزب الديمقراطي الأمريكي، ومجمل المتسابقين فيه لخوض الانتخابات الرئاسية، قبل فوز جو بايدن بالترشح، أن يجعلوا من النقاش حول الصين الجزء الأهم من البرنامج الانتخابي، لكن ما أراده الحزب شيء، وما حدث من تحولات في الواقع شيء آخر. فقد أصبح تركيز المرشح الديمقراطي جو بايدن، في الآونة الأخيرة، منصباً على الصين؛ بل إن المفاجئ هو اتهام بايدن للرئيس ترامب بأنه «وثق بزعماء الصين في مسألة كورونا»، وذهب خطوة أبعد؛ إذ اتهم الرئيس ترامب بأنه يتقاعس عن محاكمة الصين.

كان شعار الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2016 هو «أمريكا أولاً»، وتمكن بفضل هذا الشعار وما ينطوي عليه من مغازلة لمصالح الطبقة الوسطى الأمريكية، من الوصول إلى البيت الأبيض، وكانت الخطوات العديدة التي اتخذها خلال الأعوام الماضية منسجمة مع هذا الشعار، فجميعها شملت نوعاً من المراجعة للسياسات السابقة، خصوصاً الاتفاقيات المتعلقة بالضرائب المتبادلة على البضائع بين بلاده وبين الصين وأوروبا، كما ضغط باتجاه إعادة النظر في التمويل الأمريكي لحلف الناتو.

رغبة الرئيس ترامب في الانكفاء عن قضايا كثيرة في العالم، اصطدمت بحجم المتغيرات العولمية التي فرضتها الصين كحقائق في الاقتصاد والتجارة الدوليين، وقد انكشف حجم هذا الواقع خلال أزمة كورونا الراهنة، فقد اتضح حجم الاعتماد الغربي؛ بل والعالمي على الأجهزة والمعدات الطبية المصنّعة في الصين، وهو ما فرض نفسه بقوة على النقاش السياسي في جميع الدول الغربية من دون استثناء.

ضاعف الوضع الناشئ بعد جائحة كورنا أزمة الديمقراطيين في أمريكا، فقد كانت برامج المرشحين تتركز على قضايا أخرى ذات مسحة اشتراكية، من أجل كسب شريحة أوسع من الناخبين، خصوصاً برنامج الديمقراطي اليساري بيرني ساندرز، وهو يمثل شريحة مهمة في حزبه، وسيقف ساندرز بعد خسارته إلى جانب جو بايدن، لكن مساندته لن تكون غير مشروطة. فقد أرسلت مجموعات ضغط عديدة مقربة من اليسار في الحزب الديمقراطي، رسالة إلى جو بايدن، تطالبه فيها تبني مطالبهم في خفض ميزانية وزارة الدفاع بحوالي 200 مليار دولار، وهو ما يضع جو بايدن في موقف سياسي محرج، في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة موجة من التصعيد مع الصين.

منذ بداية التأثيرات الأولى لجائحة كورونا في الحياة العامة، وتحديداً الاقتصادية، اتخذ الرئيس ترامب خطاً تصاعدياً في اتهام الصين، واتهام جهات دولية، وصفها بأنها أسهمت في مساعدة الصين على إخفاء حقائق مهمة حول طبيعة الفيروس الجديد، مثل اتهامه لمنظمة الصحة العالمية، وقد جعل التركيز الإعلامي المستمر لترامب على دور الصين في انتشار الفيروس، من الصين البند الأول، وربما الأخير، في أجندته الانتخابية.

خلال الأشهر الماضية، كان الديمقراطيون أمام استحقاق تحديد مرشحهم للانتخابات، وصراع الأجنحة الفكرية والمصلحية داخل الحزب، بينما كان الرئيس ترامب يبلور برنامجه الانتخابي، على قاعدة محاربة العدو الخارجي؛ أي الصين، وجعْل قسم كبير من الأمريكيين يشعرون بأنه على حق، بعد أن تضررت مصالحهم من إجراءات العزل والإغلاق التي سببها الفيروس الذي أعاد ترامب مرات ومرات تسميته ب«الفيروس الصيني».

منذ عام تقريباً، كان بايدن يقلل من أهمية الصين، متهماً ترامب بالمبالغة في جعل الصين عدواً جدياً، مكرراً أن «إنتاجية العامل الأمريكي هي ثلاثة أضعاف إنتاجية العامل الصيني»، لكنه اليوم مضطر للتعامل بشكل جدي مع المكانة التي أصبحت للصين، وهو ما يفسر هجومه الأخير على ترامب، واتهامه بالتقصير في مواجهة الصين.

وبغض النظر عن تحول الصين إلى البند الانتخابي الأول في برنامجي الحزبين الكبيرين في أمريكا، فإن الصين أصبحت فعلياً هي سؤال أمريكا الوجودي، والتي سيتوقف على إجابتها عنه، مصيرها، وربما مصير العالم في السنوات القليلة المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"