الاتحاد الإفريقي وانقلابات القارة

03:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال الجزولي

تعامل الاتحاد مع انقلابات القارة ليس متسقاً، فعلى الرغم من أن معايير «لومي» واحدة، فإن الاتحاد ظل يتّخذ مواقف صارمة في حالات، وأهون في أخرى

على الرغم من أن شوارع باماكو ظلت تغلي بالتظاهرات؛ المطالبة برحيل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا؛ لإخفاقاته في السلطة، فإن انقلاب 18 أغسطس/آب 2020 الذي اعتقله، وأجبره على الاستقالة؛ دفع مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي لتعليق عضوية مالي حتى استعادة النظام الدستوري، تبعاً لمقررات كانت اتخذت في «لومي».

وفي الحقيقة ليس متصوراً أن يتردد الاتحاد الإفريقي في تطبيق «إعلان لومي» الحازم، والذي أكد احترام القواعد الدستورية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان؛ لضمان المشاركة الشعبية في الحكم، خاصة أن «القانون التأسيسي للاتحاد»، بعد «منظمة الوحدة»، أعطى «إعلان لومي» دفعة قوية؛ برفضه لأي تغيير غير دستوري في أي من بلدان القارة، كما أباح للاتحاد التدخل في أية دولة تطرأ فيها «ظروف خطرة»، إضافة إلى ذلك فإن الاتحاد يملك، بموجب «الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم» معاقبة الدولة العضو التي يقع فيها أي انقلاب أو تمرد مسلح؛ يطيح رئيسها الشرعي، أو يرفض رئيسها الذي يخسر الانتخابات تسليم السلطة.

غير أن الواقع، للأسف، يخالف هذه القاعدة، وبتعبير أدق، فإن تعامل الاتحاد مع انقلابات القارة ليس متسقاً؛ فعلى الرغم من أن معايير «لومي» واحدة، فإن الاتحاد ظل يتخذ مواقف صارمة في حالات، وأهون في أخرى، وبمراجعة الناجح والفاشل من هذه الانقلابات، خلال العقود الثلاثة الماضية؛ نجد أشهرها انقلاب يحيى جامع في غامبيا، والذي أطاح، وهو في التاسعة والعشرين، بداودا جاوارا، في يوليو/تموز 1994، ثم ظل يفوز بكل الانتخابات الرئاسية، في نموذج فريد للاستبداد، فيسمي نفسه «معالي الشيخ الأستاذ الحاج الدكتور يحيى عبد العزيز غونكونغ جيموس جامع»، وإلى ذلك يتولى العديد من المناصب الحكومية، كوزير للدفاع، وقائد لأركان الجيش، ويروج، فوق ذلك، لقدرته على العلاج العشبي لشتى الأمراض، كالإيدز، والربو، والصداع!

بالمقابل، نجد محاولة المرتزقة الأجانب الفاشلة، في غينيا الاستوائية، عام 2004؛ لإسقاط الرئيس أوبيانغ نغيما، وتنصيب آخر يساعدهم في إحكام قبضتهم على ثروات البلاد النفطية، كذلك حاول الجنرال نيومباري الانقلاب، في بوروندي، على الرئيس نكورونزيزا، أثناء غيابه في زيارة لتنزانيا، في مايو/أيار 2015؛ وذلك بمنع طائرته من دخول المجال الجوي البوروندي، لولا أن الرئيس استطاع الدخول في اليوم التالي، فأفشل المحاولة. وكان البشير، في السودان، هو آخر الرؤساء الذين سقطوا، خلال السنوات القليلة الماضية؛ إثر اندلاع الثورة في ديسمبر/كانون الأول 2018، وانحياز الجيش لها، لتنتصر في إبريل/نيسان 2019.

ومع أن الاتحاد الإفريقي ملتزم نظرياً كما أسلفنا، برفض الأساليب غير الدستورية في تغيير الأنظمة؛ لكن ما الذي يسعه القيام به عملياً؛ للإجابة عن هذا السؤال، استندت صحيفة «الواشنطن بوست» إلى بحث أستاذ العلوم السياسية توماس تيكو الذي وجد أن مصطلح «التغييرات غير الدستورية» واسع، بما يوفر مرونة للاتحاد؛ كي يستنتج ما إن كان الوضع المعين يمثل تغييراً دستورياً، أم غير ذلك. كما وجد أن مواثيق؛ مثل: «إعلان لومي»؛ و«القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي»؛ و«الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم»، تشكل معايير للالتزام بالديمقراطية. طبق الاتحاد هذه المعايير على الحالة المصرية؛ حيث انفجرت الاحتجاجات الشعبية، إزاء توسيع مرسي لسلطاته، وإقدام الجيش على إطاحته في يوليو/تموز 2013م، فعلق الاتحاد، في البداية، عضوية مصر «حتى استعادة النظام الدستوري»؛ لكن بعد انتخاب السيسي عام 2014؛ أعاد الاتحاد هذه العضوية، معتبراً أن عزل مرسي، بعد الاحتجاجات الشعبية ضده، هو، على الأقل، تمثيل للإرادة الشعبية.

أما بشأن القواعد التي يتوجب على الاتحاد اتباعها في تعليق العضوية، وإعادتها، والتزام المبادئ الموضوعية، فقد أقر الاتحاد بأن عليه الالتزام بتطبيق معاييره باتساق، سواء على الأعضاء الأقوياء أو الضعفاء، مع ذلك لم يتسق الاتحاد، مثلاً، في حالتي بوركينا فاسو2014، وبوروندي 2015م، ففي بوروندي اتخذ موقف التوسط في الأزمة السياسية، معتبراً الانقلاب فاشلاً بمجرد تمكن الرئيس من العودة إلى البلاد؛ لكنه دان انقلاب بوركينا فاسو، بشدة، وهدد بمعاقبة قادته، كذلك بدأ الاتحاد، في حالة زيمبابوي 2017، بإدانة عزل الجيش لموغابي؛ لكنه سرعان ما تراجع على أساس أن «استقالة موغابي نتجت عن حوار بينه وبين بقية القادة»، وفي غامبيا، أيضاً، وعلى غرار زيمبابوي، رفض الاتحاد، في ديسمبر/كانون الأول 2016، الاعترف بجامع؛ بعد رفضه التنحي عقب خسارته في الانتخابات أمام أداما بارو؛ لكنه لم يعلق عضوية غامبيا؛ بل ترك الأمر ل«إيكواس»؛ لإزاحة جامع عن السلطة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"