أزمة عالمية بلا رأس

03:41 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

من الحقائق المؤلمة السائدة اليوم أن العالم كله يعيش وضعاً غير طبيعي ينطق بمؤشرات وعلامات عن واقع جديد بصدد الولادة والتشكل، بعدما تأكد أن النظام العالمي القائم أصيب بالإعياء والتعب، ولم يعد قادراً على استيعاب المستجدات والصراعات والطموحات التي تنطلق في كل اتجاه.
في العقود السابقة واجه العالم مشكلات وحروباً ومغامرات ظلت تحت السيطرة، وانتهى أغلبها بسلام بقطع النظر عن نتائجها السعيدة للبعض والخائبة للبعض الآخر. في الملابسات السابقة، كانت عندما تندلع أزمة سياسية أو اقتصادية أو أمنية يعرف القاصي والداني مركز تلك الأزمة، ويستعد الجميع لامتصاص ارتداداتها، ويسارعون بإعادة إعمار ما خلفته من خراب. أما الآن فالعالم كله يعيش أزمة خانقة مركزها غير محدد وحدودها غير واضحة، وذلك مكمن التحدي والخطورة بسبب غياب الاستعداد وانعدام التأهيل.
وسط هذا المشهد تتدفق الأحداث وسط تناقضات كثيفة. وبينما يتعلق العنوان الأبرز بالأزمة الصحية الطاغية جراء فيروس كورونا، تنكشف جوائح أخرى، اقتصادية وسياسية، لترسم مجتمعة عالماً شديد التأزم والحيرة، بعدما وصل أو كاد إلى مرحلة الشلل التام، وهو ما يفسر سقوط السياسة الدولية في العبثية والعشوائية، بدليل الصراعات الجارية هذه الأيام في أروقة الأمم المتحدة المتصدعة، والتجاذب المستفحل بين الولايات المتحدة والصين، واضطرابات مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سياق حملته المتعثرة للفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض .
الأزمة تضرب في كل مكان، وليس هناك من شيء واضح يمكن الاطمئنان إليه، وحتى الانتخابات الأمريكية التي كانت تشد الانتباه وتنعش التوقعات فقدت بريقها، ولم تعد مثيرة كسابق عهودها، وبدأت القناعة تترسخ يوماً بعد آخر بأن القوة الأمريكية تتراجع بعدما سقطت سلطة القطب الواحد مثلما سقطت قبل جيل من الآن الثنائية القطبية ممثلة في واشنطن وموسكو السوفييتية، وهو ما يسهم في رفع منسوب الحماس والتشويق لمعرفة شكل العالم بعد هذا المخاض.
إزاء وضع كهذا يتساوى التفاؤل والتشاؤم. وبسبب الضبابية القاتمة لا يمكن التسليم بأي مشاعر، فما يعيشه المجتمع الدولي عجز غير مسبوق، وبالتبعية ستكون النتائج المتوقعة مفاجئة للكثيرين ممن لا يؤمنون بالحركة بعد السكون. وقد لا يستغرق الأمر بضعة أشهر، وقد تطل الإشارات المبكرة مع نتائج الانتخابات الأمريكية. وسواء استمر ترامب أو جاء الديمقراطي جو بايدن، فإن عقارب الساعة لن تعود للوراء، ولن يتغير الاتجاه المرسوم بتفاعلات سنوات طويلة من التحفز إلى بيئة جديدة لا سابق لها في العلاقات بين الأمم والشعوب، على الرغم مما ستبديه بعض الأطراف من مقاومة وبلطجة لقطع الطريق على القوى الصاعدة بقوة الحتمية التاريخية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"