ترامب وانتهاء العولمة

02:28 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

نادراً ما يصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقارباته حول القضايا الشائكة والملتبسة؛ لكنه أصاب كبد الحقيقة حين أعلن أن تفشي فيروس «كورونا» المستجد يظهر أن عصر العولمة قد انتهى، وهي مقولة يجري تداولها بشدة، وباتت مسلمة لدى الكثير من المهتمين والمتابعين لتداعيات التطور الوبائي المستمر في الاتساع دون إيجاد علاج له أو حيلة لوقفه.

الحديث عن انتهاء العولمة لم يكن اكتشافاً أمريكياً محضاً، إلا أن صدوره عن رئيس الولايات المتحدة يعطيه وقعاً خاصاً؛ لأنه يأتي من رأس القوة الأولى في العالم التي تزعمت العولمة لنحو ثلاثين عاماً، وتوهم البعض أن التاريخ انتهى عند تلك المرحلة، ولم يعد بإلإمكان التعرف إلى حقب جديدة. ومع أن مؤشرات نهاية العولمة قد بدأت منذ فترة طويلة، فإن المباغتة المدوية التي أحدثها فيروس «كورونا» في المجتمع البشري سرّعت في تغيير الأوضاع ليبدأ ظرف استثنائي يتفاعل فيه خليط من الأسباب والعوامل، وكأنه مخاض عنيف يمهد لولادة «عالم ما بعد كورونا».

المشكلة المستفحلة منذ فترة أن الجميع تائه ولا يعلم المدى الذي ستبلغه هذه المحنة، ولا حجم خسائرها النهائية؛ لذلك كثرت المقاربات والاستنتاجات على أمل اكتشاف بعض ملامح عالم ما بعد انتهاء هذه الأزمة، ويبدو أن القناعة الراسخة أن كل شيء سيتغير، وستظهر خريطة جديدة تحمل هندسة مختلفة عما ألفه البشر في العقود الماضية، وربما منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى.

في الوقت الذي يصارع فيه الجميع من أجل الكشف عن لقاح يساعد على مقاومة هذا الوباء، اعترفت منظمة الصحة العالمية أن فيروس «كورونا» هو أخطر جائحة شهدها المجتمع البشري خلال قرن. والإشارة واضحة إلى وباء «الإنفلونزا الإسبانية» الذي عرفته أوروبا خصوصاً منذ 1918 وأودى بحياة عشرات الملايين من البشر. ومما يذكر أن الوضع العالمي لم يتغير بعد ذلك الوباء، ولكن الصراعات الموجودة أصلاً بين القوى الدولية الفاعلة آنذاك قد تعمقت وزادت حدتها مع ظهور طفرة اقتصادية نسبية؛ بسبب تعافي أوروبا بعد الحرب الأولى؛ لكن ذلك قادها إلى أزمة شاملة انتهت بكارثة أعظم وهي الحرب العالمية الثانية.

على الرغم من أن حصيلة ضحايا فيروس «كورونا» من البشر لن تصل إلى ما أحدثته «الإنفلونزا الإسبانية»، فإن التغييرات المنتظرة ستكون عميقة، وتضرب أسساً عديدة انبنت عليها المنظومات الدولية. ولتقريب الصورة أكثر، فإن المستقبل القريب يحمل ملامح صراع أمريكي- صيني، وهناك من لا يستبعد أن تكون خاتمة الوباء حرباً بين القوتين العظميين. وحتى إن وقعت الحرب فالعالم سيتغير والسيرورة التاريخية ستمضي في حتميتها التي لا مراء من التسليم بها. وعندما يقول ترامب: إن «عصر العولمة قد انتهى» يقر باسم دولته الكبرى أن واشنطن لن تكون وحدها في قيادة العالم؛ بل إن ما سيأتي سيدفعها إلى التنازل عن حسابات كثيرة من مخلفات لعبة الأمم السابقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"