جدل «نتفليكس» الدائم

04:29 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

لا نهاية للجدل الذي يبدو أن شبكة «النتفليكس» مولعة به، والأمثلة عدة، وربما يكون فيلم لورنس العرب أحدثها، فالشبكة، كتبت تعريفاً مختصراً لفيلم جديد تحدّث به محتواها، «لورنس العرب» المنتج في عام 1962، يقول: «عمل ملحمي حائز على الأوسكار عن قصة لورنس العرب الذي وحّد القبائل العربية المتناحرة لطعن تركيا في ظهرها إبان الحرب العالمية الأولى».

ويشعر من شاهد الفيلم سابقاً، أو من ينوي مشاهدته، أن هذا التعريف سياسي من الدرجة الأولى، ولا علاقة له بالفن، فضلاً عن إحساس عال بالاستفزاز ينتابنا ونحن نتأمل كل كلمة مكتوبة، ولا نعرف ما هي الخلفية الإيديولوجية لمحرر التعريف، ولا الهدف الذي يسعى إليه، هل هو تشويه صورة العرب، أم الانتصار للدولة العثمانية التي «طعنها العرب في ظهرها»؟ هل يعمل على توريطنا في مراجعة تاريخية تعود إلى أحداث وقعت منذ أكثر من قرن، ولكن لها امتدادات الآن، بمعنى أن ذلك الكاتب وضع إحدى عينيه على الماضي، والأخرى على الحاضر؟

ومن وجهة نظر محايدة تماماً، أليست تلك الفقرة مصادرة على المطلوب، وتدخلاً فجاً في فيلم لم يشاهده المتلقي بعد؟ أليست توجيهاً مباشراً للمشاهد نحو رصد مواقف، وأحداث الفيلم التي تثبت رأي الكاتب أو على الأقل، تأويلها بما يحقق هدفه، وأخيراً ألم يضع المحرر في اعتباره أن الفيلم مقدم لمشاهد عربي؟ وأن الشبكة تعمل وسط جمهور وصفته بأن جذوره تنتمي إلى قبائل تناحرت ولم تتوحد إلا خلف «المنقذ» البريطاني، لكي تتخلص من تركيا؟

هذه هي الرسالة التي تود الشبكة إيصالها إلينا حتى ولو لم نقدم على مشاهدة الفيلم، ربما يكون الدافع إثارة الانتباه لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، ولكن التعليق المكتوب مسيس حتى النخاع، ويتسم بجلافة تصل إلى حد الإهانة، وتعيد إلى الأذهان صوراً نمطية استشراقية كلاسيكية وسلبية عن العرب.

إن ما كتبته «نتفليكس» صراحة مضمّن وبقوة في عشرات الأفلام الأمريكية المنتجة، بصورة خاصة خلال العقدين الماضيين، والإشكالية هنا ليست في تشويه صورة العرب، أو إبداء رأي مجحف يثير الجدل، ولكن الأخطر أن صناعة السينما وصلت إلى درجة من الحرفية ربما تؤدي إلى كراهية الأجيال الجديدة لمكونات الذات القومية العربية. ليست الأزمة في أن يقول هذا الفيلم، أو ذاك أن العربي إرهابي، أو خائن، ولكن الكارثة أن يصدق بعضنا هذا الطرح، وهو ما يحدث بالفعل، ولكننا لا ننتبه، حتى يفاجئنا المستقبل بمحتوى سينمائي عربي أكثر استفزازاً من وقائع قصة لورنس العرب الحقيقية، والمتخيلة في الفيلم، وما كتبه محرر «نتفليكس».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"