المستقبل.. درس ياباني

04:05 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

في الذكرى الخامسة والسبعين لاستسلام بلاده في الحرب العالمية الثانية، أبدى الإمبراطور الياباني ناروهيتو ندمه الشديد على ماضي بلاده وقت الحرب. ما فعله الإمبراطور درس جديد يضاف إلى عدة دروس أخرى قدمتها اليابان للعالم.
لم يعرب الإمبراطور عن ندمه على حدث انتهى مع مختلف تداعياته وحسب، ولكن هذا الندم يؤكد سياسة اليابان في الحاضر وفي المستقبل، فلا حاجة للحرب، وتستطيع الأمم أن تحقق مكانتها وموقعها في العالم بعيداً عن موازين القوى العسكرية والرغبة في السيطرة والهيمنة، والتوسع الخارجي، وتمتلك الشعوب إذا توافرت لها الإرادة أن تبتكر فضاءات عديدة لإثبات تفوقها، في العلوم والفنون والاقتصاد.. إلخ، ذلك درس اليابان الأبقى، التي استطاعت تجاوز أزمتها في سنوات قليلة لتتحول إلى نموذج أكثر إبهاراً في السلم، نموذج شكل المعيار الذي يجب أن تضعه أي أمة أخرى نصب عينيها إذا سعت نحو التقدم، ولنا هنا أن نستعيد تلك النقاشات التي كثرت في الساحة الفكرية العربية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين حول التجربة اليابانية؛ حيث لم يترك المحللون العرب شاردة أو واردة عن اليابان، منذ بداية نهوضها في أواخر القرن التاسع عشر، إلا ودرسوها، ومع ذلك لم يستطع العرب تمثل التجربة.
مهما قيل عن المآسي العربية المعاصرة، فإنها لا تقارن بقنبلتي هيروشيما وناجازاكي، ومهما قيل عن ثنائية الاستعمار والاستبداد التي يتشدق بها المفكرون العرب بوصفها العامل الأبدي الذي يعيق التقدم، فإن الحالة اليابانية تثبت العكس تماماً، فالإمبراطور كان شبه مقدس، والبلد في أعقاب الاستسلام كان ساحة لقوات الحلفاء، ومع ذلك لم تتوقف اليابان طويلاً لتبكي كرامتها المهدرة، ولم تتورط في أفكار حول تآمر العالم ضدها، وهو ما حدث في الحالة العربية. لم تتأمل اليابان طويلاً في عوامل نظرية تعيق الفعل، ولم تضع شروطاً لنفسها لابد من تحقيقها أولاً لكي تتمكن من النهوض، بل واصلت المسيرة وأبهرت الجميع، بشجاعة مواجهة الواقع بكل معطياته.
ماذا حققت اليابان في خمسة وسبعين عاماً؟ وماذا حقق العرب؟ سؤال محرج، ولكنه يكشف الفارق بين طريقتين في التفكير في الوقت نفسه، لقد توقف العرب طويلاً أمام سؤال «لماذا تخلفنا؟»، وقدموا مئات الأطروحات حول العلة والجذور والتاريخ، أما اليابان فانتهجت أسلوباً مغايراً تماماً، لقد طرحت سؤال «كيف نتقدم، ونتجاوز نكباتنا؟»، وهو سؤال يرسم المستقبل الذي دخلته اليابان من أوسع أبوابه.
لم يكن ندم الإمبراطور إلا رسالة مفادها أن اليابان تجاوزت ثقافة الحرب بانتصاراتها ونكباتها، إلى مرحلة أكثر تقدماً وازدهاراً. هي التجربة اليابانية التي لا تزال تحتاج إلى الدراسة، والأهم الإرادة لكي نتمثلها جيداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"