ماذا لو خسر ترامب؟

04:27 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

التشكيك بنتائج الانتخابات الأمريكية لهذا العام انتقل من الهمس إلى العلن مع اقتراب موعد الانتخابات، وهذه المرة يجد ما يبرره سواء كان لجهة العوامل الفنية في العملية الانتخابية في ظل تفشي كورونا، أو لجهة تجدد الحديث عن تدخلات خارجية في عمليات التصويت؛ لكن ما يخيف الناخب الأمريكي هذه المرة ليس تلك المبررات على الرغم من وجاهتها؛ بل طبيعة شاغل البيت الأبيض وأنماط تفكيره وما يصدر عنه من تلميحات حول التزوير.
في أحدث بيان صادر عن رئيس جهاز مكافحة التجسس الأمريكي وليام إيفانينا، اتهم الجهاز دولاً أجنبية بتبني أدوات تأثير سرية وعلنية؛ لتوجيه التصويت.
ويأتي هذا البيان وسط مزاعم للرئيس ترامب بأن الاقتراع الإلكتروني أو عبر الاقتراع البريدي التي قد تمليها ضرورات مواجهة الفيروس، تنطوي على مخاطر تزوير الانتخابات.
وجاء في البيان: «تحاول بعض الدول الأجنبية التأثير على تفضيلات الناخبين، وتغيير السياسات الأمريكية، وزيادة حدة الشقاق بين مكونات الشعب الأمريكي، وبالتالي تقويض ثقته في عمليتنا الديمقراطية».

هلوسات الخوف من الخسارة

تفيد التقارير اليومية بانتشار حالة من القلق الحقيقي في البيت الأبيض من خسارة ترامب انتخابات هذا العام في ظل استمرار الفارق بينه وبين خصمه جو بايدن في استطلاعات الرأي، خاصة بعد تثبيت ترشيح كليهما رسمياً من قبل مؤتمري الحزبين في أغسطس/آب الماضي.
ويصف مساعدو ترامب الأيام الحالية بأسوأ مرحلة في رئاسته. ويعكس آخر تجمع انتخابي أقامه في تولسا بولاية أوكلاهوما؛ تراجع أداء الرئيس في مواجهة التساؤلات المتزايدة حول أدائه.
لذا يتحدث ترامب عن التزوير حتى أنه غرد يوم 22 يونيو/حزيران قائلاً عن انتخابات 2020: «سوف تتم طباعة الملايين من بطاقات الاقتراع البريدية من قِبل الدول الأجنبية وغيرها. وستكون فضيحة عصرنا».
ولفتت مجلة «بولتيكو» إلى أنه خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، أثار ترامب هلع مستشاريه؛ عندما أجاب بلغة مبهمة عن سؤال حول أهدافه لولاية ثانية، فضلاً عن أنه قدم اعترافاً ضمنياً بأنه قد يخسرها لمصلحة منافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي قال عنه «سيكون رئيسكم لأن بعض الناس لا يحبونني».
وقال سام نونبرغ، مستشاره السياسي الأسبق: «في ظل المسار الحالي، يقف الرئيس ترامب على حافة واحدة من أسوأ الهزائم الانتخابية في الانتخابات الرئاسية الحديثة». وفي حال تراجعت حظوظه في استطلاعات الرأي إلى 35 نقطة فسوف يواجه هزيمة نكراء. يذكر أن آخر استطلاع منح الرئيس ترامب 36 نقطة فقط مقابل 50 نقطة لجو بايدن.
ويكثر حديث القادة الجمهوريين عن خسارة الانتخابات، و قال ليندسي غراهام، السيناتور المقرب منه، إن الرئيس يحتاج إلى أن يركز على السياسة ويتجنب الكلام عن نفسه إذا ما أراد أن يغير معادلات الفوز.
عادة ما يتم تحديد الولايات المحسومة لمصلحة الجمهوريين باللون الأحمر، وتلك المحسومة لمصلحة الديموقراطيين باللون الأزرق. وهناك 12 ولاية متأرجحة؛ هي: نيوهامشير ونورث كارولينا ومينيسوتا وويسكونسن وكولورادو وفلوريدا وآيوا وفيرجينيا وميتشغان ونيفادا و وأوهايو وبنسلفانيا. والفوز بأصوات هذه الولايات التي لا يميل ناخبوها لحزب بعينه، يشكل عاملَ حسم في الفوز بانتخابات الرئاسة.

سيناريوهات ما بعد خسارة ترامب

تكثر التكهنات في أوساط المحللين الاستراتيجيين والخبراء القانونيين حول ما يمكن أن يجري في حال فشل الرئيس ترامب في كسب الانتخابات، خاصة وأنه يتجنب تقديم إجابات صريحة عن هذا التساؤل، لكن الأخطر في تلك الرهانات هو الجانب المتعلق بتهديد الديمقراطية الليبرالية نفسها في صورتها النموذجية؛ المتمثلة في الانتخابات الأمريكية.
وهناك العديد من المؤشرات على عدم قبول الرئيس ترامب بنتائج الانتخابات. فقد رفض في مقابلة تلفزيونية التعهُّد بالاعتراف بنتائج الانتخابات في حال خسارته لها. وفي معرض رده على سؤال ما إذا كان سوف يقبل بالنتائج، لجأ كعادته للتهرب قائلاً: «لا أحب أن أخسر. لا بد أن أدرس الموقف حينها. قد أقول نعم وقد أقول لا».
ولعل ما عبر عنه محامي ترامب المقرب منه، مايكل كوهين، من قلق من عناد الرئيس، والذي قد يدفعه لرفض الخروج من البيت الأبيض في حال خسارته وعدم اعترافه بالنتيجة الرسمية؛ يمثل الإنذار الصارخ حول الوقوع في مثل تلك المعضلة.

فوضى الحسم وما بعده

تشير كل التوقعات إلى أن إعلان النتائج لن يتم كما جرت العادة خلال ليلة واحدة؛ نظراً للعدد الكبير من البطاقات الانتخابية التي تجمع عن طريق البريد. ويفتح تأجيل إعلان النتائج الباب واسعاً أما المشككين وعلى رأسهم الرئيس ترامب نفسه، الذي سيجد فيها فرصته لإعادة خلط الأوراق خاصة إذا لم يتمكن من الحسم. وربما يسارع الرئيس لإعلان فوزه قبل الانتهاء من فرز الأصوات رسمياً، ليحدث بلبلة يأمل أن يستعيد من خلالها الفاقد المطلوب لحسم النتيجة. وفي هذه الحالة سوف ترفع القضية للمحكمة العليا كما حدث عام 2000.
عند هذه المرحلة تدخل الولايات المتحدة في سجال قانوني حول الأصوات المعتمدة قانونياً والأصوات المزورة. ومثل هذا الجدل قد يطول لأشهر، ناهيك عن تعريض الديمقراطية نفسها إلى هزة وأزمة وثقة.
مثل هذا السيناريو كفيل بإحداث الفوضى في المجتمع الأمريكي المنقسم أساساً حول عدد من القضايا خاصة، إذا نشطت ماكينة اليمين الإعلامية في تعبئة الحشود ضد قضايا ساخنة لا تزال تحرض الشارع المستنفر أساساً منذ حادثة جورج فلويد وعنف الشرطة.
وقد لا يفلح مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون في حسم نتائج الانتخابات عن طريق المجمع الانتخابي حتى لو تم الضغط على حكام الولايات الديموقراطيين؛ أي بنسلفانيا وميتشيجان وويسكونسين، ولها 46 صوتاً، وفي هذه الحالة سوف تتطور الأزمة؛ بحيث تصبح مفتوحة على كل الاحتمالات.
وقد يقول قائل أين القوات المسلحة من هذا السيناريو؟ الحقيقة أن الرئيس الذي تنتهي ولايته يوم 20 يناير/كانون الثاني، يفقد سيطرته الدستورية على مؤسسات الدولة، ما يعني أنه لن يكون قادراً على فرض سلطته بالقوة في حال عدم الإقرار بالهزيمة. كما أنه لم يسبق في الديمقراطيات الليبرالية أن ساند العسكر مرشحاً بالقوة للبقاء في منصبه، فهل تشهد الولايات المتحدة أول انقلاب عسكري؟ من يدري بعد أن ظهرت عليها الكثير من مظاهر دول العالم الثالث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"