حل المشكلة الاقتصادية من منظور إسلامي

ورق ودين
04:43 صباحا
قراءة دقيقتين
د.إبراهيم علي المنصوري *

إن المشكلة الاقتصادية تتمثل في عدم القدرة على إشباع الحاجات الإنسانية، بسبب ندرة الموارد، وكان الشغل الشاغل لعلم الاقتصاد هو إيجاد حلول لتلك المشكلة. ولم تكن المعطيات الطبيعية يوماً السبب الرئيسي في المشكلة الاقتصادية، إنما هي ظاهرة اجتماعية متمثلة في السلوك الإنساني المنفرد بالموارد، إنتاجاً وتوزيعاً، المحفوف بنزاعات النفس الإنسانية الجامحة إلى التملك والاستثمار، وحب الظهور.

والإسلام يعرف هذه النوازع في النفس، فلا يُنكر وجود مشكلة اقتصادية مركزية، وقد أشار الله، جل شأنه، في غير موضع من كتابه العزيز إلى ذلك، منها قوله سبحانه: «ولنبلُونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين». وفي آية أخرى يقول جل شأنه: «ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض»، فالقرآن يُشير إلى وجود ندرة نسبية، لها أسباب ربانية، وأخرى اجتماعية، فالابتلاء، والعقوبة على المعصية من الأسباب الربانية، والبخل على أهل الحقوق في دفع الزكاة، ووضع المال في يد السفيه، والكسل والإهمال في السعي الجاد، وسوء توزيع الثروة ومتطلبات الحياة على الناس، من الأسباب الاجتماعية.

وقد وضع الله مقياساً وميزاناً دقيقاً في التعامل مع هذه المشكلة في قوله سبحانه: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً»، فالاقتصاد، والتوسط، والاعتدال أساس في الدين، كما أكد ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، إذ مرّ يوماً بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ».

إن المشكلة الاقتصادية تكمن في سوء إدارة الموارد المتاحة للإنسان، والتي يجب أن تُدار بالنظر إلى الإمكانات، والاحتياجات، والحقوق، والواجبات.

ومع ما جاء من توجيهات قرآنية ونبوية، إلا أنه لا يمنع وجود مشكلة اقتصادية، وأحداث السيرة النبوية شاهدة على ذلك، فقد كان يمرّ الشهر والشهران ولا توقد في بيوت النبي، صلى الله عليه وسلم، النار. وامتدح النبي، عليه الصلاة والسلام، الأشعريين حيث إنهم إذا أرملوا، أي لم يبق عندهم شيء، جعلوا طعامهم في وعاء واحد، وتناوبوا عليه (تقاسموه).

وكان المسلمون يسيرون إلى معاركهم بأقل عُدة، وسيراً على الأقدام، أو يتعاقبون الخيول، وقد كان وقتها المجتمع الإسلامي مجتمعاً نموذجياً، إضافة إلى أن خلفاء المسلمين يأخذون في الاعتبار كفاية الرعية، وحماية الثغور، ونشر الدعوة، ومصالح الأجيال القادمة، فكانوا يوازنون ويديرون موارد الدولة بين الاستخدامات الحيوية حسب الأهمية.

وإن أردنا الوصول لحل المشكلة الاقتصادية، فلابد من إعادة تعريف الغاية من الحاجات، ومفهومها الإنساني، وأن مفهوم الحاجات نسبي يحتاج إلى تحديد دقيق، فحاجات الإنسان تتنوع، وتتجدد، فلا بد من تخصيص مواردنا حسب منظومة الترجيحات الشرعية، والأخلاقية. وقد وضع الإسلام ضوابط تحدد نمط الاستهلاك في ظل المنظور الاقتصادي الإسلامي، فوجّه إلى أن يكون في الطيِّب والمباح، وأن يُشبع حاجة حقيقية، وأن يتم سد حاجات المعوزين من خلال الزكاة، والصدقات، وغيرها، مما يساعد على الرفاهية الاجتماعية، وفي الوقت نفسه يساهم، وبشكل كبير، في تخصيص الموارد والمحافظة عليها، وبالتالي الوصول لحل المشكلة الاقتصادية.

[email protected]

* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية المساعد بجامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"