تسميم نافالني.. زوبعة سياسية

02:53 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب - المحرر السياسي:

في أحدث واقعة على صعيد العلاقات الروسية مع الغرب التي ما إن تهدأ تحت ضغوط كظم الغيظ الذي تفرضه المصالح المشتركة، حتى تنفجر من جديد، استدعت روسيا سفير ألمانيا في موسكو على خلفية تصريحات برلين حول تسمم المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي يعالج في ألمانيا.
كان نافالني، المعارض الأعتى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نقل جواً إلى ألمانيا بعدما فقد الوعي خلال رحلة داخلية من مدينة تومسك في سيبيريا إلى موسكو، الشهر الماضي. وتعتقد ألمانيا أن نافالني تعرض للتسميم بغاز أعصاب من نوع «نوفيتشوك».
ويعتبر مركّب «نوفيتشوك» الذي طوره السوفييت في السبعينات كسلاح كيميائي، من أخطر الأسلحة، وقيل أن الروس استخدموه للتخلص من العميل الروسي المزدوج السابق سيرجي سكريبال، وابنته يوليا، في عام 2018 في بريطانيا، حسب الاتهامات الحكومية البريطانية.
ويصنف نافالني، وهو محام مخضرم عمره 44 عاماً، درس القانون في جامعة بموسكو وحصل على منحة لمواصلة دراساته العليا بجامعة ييل الأمريكية، بأنه أشرس معارضي بوتين، حيث يصف الرئيس الروسي وحزبه بأنهما مجموعة من المحتالين ومصاصي دماء الشعب الروسي.
وخلال مسيرته السياسية، مُنع نافالني من الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2018 بسبب الحكم عليه سابقاً بالسجن بتهمة الاختلاس، وهي التهمة التي يصر على أنها مجرد حيلة من الكرملين لتشويه سمعته.
وتم تسليط الضوء مجدداً على الرجل بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة أثناء رحلة جوية بين مدينتي تومسك، وموسكو، اعتبر مؤيدوه أن السبب فيها هو تعرضه للتسمم عن طريق كوب شاي تناوله في المطار.


صدى التسميم


سارعت المعارضة الروسية في الداخل لاتهام القيادة الروسية بالهجوم على نافالني بغاز الأعصاب. وقال إيفان جدانوف، المحامي المعارض الذي يرأس صندوق مكافحة الفساد الذي أسسه نافالني: «لم يسبق أن استُخدمت مادة سامة ذات منشأ عسكري ضد زعيم المعارضة الروسية على الأراضي الروسية». وأضاف: «إنه نوع جديد من العنف وأسلوب جديد في مهاجمة المعارضين».
وكانت مناسبة اتهام ألمانيا الروس بتسميم نافالني فرصة لدخول بريطانيا على الخط، مدعية أن غاز الأعصاب المذكور هو المادة نفسها التي سُمم بها العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال، وابنته. وقد نجا كلاهما، لكن امرأة بريطانية تدعى، دون ستورجس، ماتت بعد تعرضها للسم.
واتهمت بريطانيا يومها المخابرات العسكرية الروسية بتنفيذ الهجوم في سالزبوري. وكجزء من رد منسق، طردت 20 دولة أكثر من 100 دبلوماسي وجاسوس روسي من أراضيها. ونفت روسيا أي ضلوع لها في القضية.
ورفض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إدانة روسيا بشأن حادثة تسميم نافالني، وقال إنه لا يوجد دليل مادي ملموس على عملية التسميم. لكنه أعرب عن أسفه «لفظاعة» الحادثة، ودعا الإعلام للتركيز على الخطر الصيني الذي يمثل تهديداً للعالم أكبر من التهديد الروسي.
ودعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، موسكو لإجراء تحقيق شامل، وشفاف، ومستقل، ومحايد، بشأن الهجوم المفترض بغاز الأعصاب الذي تعرّض له نافالني. وقالت: «بات عدد حالات التسمم أو غير ذلك من الاغتيالات التي تستهدف مواطنين روس حالياً وسابقاً، سواء داخل روسيا نفسها أو على أراض أجنبية على مدى العقدين الماضيين، يثير قلقاً بالغاً».
ودعا حلف الناتو روسيا إلى الكشف عن برنامج غاز الأعصاب «نوفيتشوك» أمام المراقبين الدوليين. وقال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج، إن جميع الدول الأعضاء يدينون الهجوم «المروع» على نافالني.
وبموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1992، التزمت روسيا والولايات المتحدة بالتخلص من جميع غازات الأعصاب والأسلحة الكيماوية الأخرى. ومن المتوقع أن تدمر الولايات المتحدة مخزونها النهائي بحلول نهاية عام 2023 بينما أكملت روسيا العملية رسمياً في عام 2017.

العلاقات الروسية الأوروبية


وعلى الرغم من ملابسات مرض نافالني الغامضة، بالنسبة إلى العالم، على الأقل، فقد تحولت القضية إلى نافذة خلاف بين الروس والأوروبيين تعيد للذاكرة سجلاً حافلاً من أعمال التجسس المتبادلة بين الطرفين، يتم نبش ملفاته كل حسب أهميته، عندما تستدعي الضرورة نبشه.
وتطرح الواقعة تساؤلات مجدداً حول علاقات التعاون بين روسيا والغرب التي كان من ثمارها مشاريع اقتصادية في مصلحة الطرفين، خاصة بعد توتر العلاقات بين أوروبا وواشنطن في ظل سياسة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، غير الودية حيال حلفائه في القارة. وربما يكون مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم2» بين ألمانيا، وروسيا، في مقدمة المشاريع المتضررة في حال تصعيد الخلاف. فإضافة إلى الضغوط التي تتعرض لها برلين من واشنطن لوقف التعاون مع الروس في هذا المشروع والتي أخذت شكل التهديدات أحياناً، يطالب عدد متزايد من الساسة الألمان بسحب الدعم الذي تقدمه ألمانيا للمشروع ما لم تساعد روسيا في توضيح ملابسات تسميم نافالني.
وقال متحدث باسم أنجيلا ميركل، إن المستشارة لا تستبعد فرض عقوبات على خط الأنابيب رداً على واقعة التسميم.
وزادت برلين، التي ترأس حالياً الاتحاد الأوروبي، من حدة ضغوطها على الروس عبر التهديد بفرض عقوبات إذا لم تقدم موسكو خلال أيام توضيحات بشأن قضية تسميم المعارض الأبرز للكرملين، التي تعتبرها برلين قضية ثابتة بالأدلة.
وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في مقابلة صحفية «إن تحديد مهل زمنية قد لا يساعد في الوصول إلى نتيجة، لكن إذا لم يقدم الروس خلال الأيام القليلة المقبلة توضيحات كافية، فسوف نضطر إلى مناقشة ردّ مناسب مع شركائنا».
وأضاف أنه إذا ما تقرر فرض عقوبات فلا بد من أن تكون محددة الأهداف، ولم يستبعد اتخاذ خطوات قد تؤثر في مشروع «نورد ستريم 2» لمد أنابيب الغاز بين روسيا، وأوروبا.
وجاء الرد الروسي على لسان وزير الخارجية سيرجي لافروف، الذي أعرب عن ريبته في الاتهامات الغربية بتسميم نافالني، مطالباً برلين بتقديم الأدلة. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في تصريح خاص، إنه إذا تم بالفعل استخدام غاز الأعصاب « نوفيتشوك» فليس من الضروري أن تكون روسيا منشأه.
وعلى الرغم من أن قضايا الجاسوسية والخلافات التي تتسبب بها في العلاقات بين الدول، لا تتطور في الأغلب إلى نزاع مسلح، إلا أنها نزعت في بعض الحالات الفتيل في بيئة متفجرة. ومن المستبعد بالتالي أن تكون قضية نافالني أكثر من زوبعة في فنجان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"