عادي

«الأطباء».. جيوش بيضاء حاضرة على شاشة السينما

04:10 صباحا
قراءة 7 دقائق
القاهرة: ماهر زهدي

تُعد مهنة الطب من الأنبل والأشرف، التي شهدتها البشرية على مر العصور، ومثلما كانت من الأقدم بين البشر، كانت أيضاً من أوائل المهن ظهوراً على شاشة السينما، ليس بهدف إظهار الوجاهة الاجتماعية التي يتمتع بها الأطباء، بل لارتباطها بشكل وثيق بالإنسان.
ظهور الطبيب على شاشة السينما جاء متزامناً تقريباً مع بداياتها العالمية، والعربية، سواء بشكل عابر في مشهد لم يخل منه ما يقرب من 50% الأفلام، أو حتى باعتباره صاحب مهنة اجتماعية مرموقة تتباهى به الأسر، وترحب بمصاهرته، غير أن ذلك لم يمنع ظهوره في عدد كبير من الأفلام، كان فيها الطبيب هو البطل الرئيسي في الأحداث، حتى إن عدداً كبيراً من الأعمال قدمته باعتباره منقذاً للبشرية من المجهول الذي قد يفتك بها، خاصة في أوقات تفشي الأمراض، والأوبئة، وهو ما قدمته السينما العالمية بصورة أكبر، وأوضح، مثلما أظهره الفيلم الفرنسي «السيد فنسنت» في عام 1947، المأخوذ عن قصة جان برنارد لوك، سيناريو وحوار جان أنويله، ومن إخراج موريس كلوش، حيث يستعرض الفيلم دور «فنسنت دي بول»، وكفاحه في حماية الفلاحين والتضحية بنفسه، في مواجهة وباء الطاعون، أو «الموت الأسود»، الذي اجتاح أوروبا في القرن الرابع عشر.
أما فيلم «The Nun's Story»، أو «قصة الراهبة» للمخرج فريد زينيمان، عام 1959، فأظهر دور الطبيب والممرضة معاً، من خلال راهبة تلتقي طبيباً أثناء عملها في دولة الكونغو، يساعدها في اكتشاف نفسها، لتحسم أمرها بين عملها الخدمي كممرضة، واتجاهها للعمل الروحي داخل الدير، وقت الحرب العالمية الثانية، وتقرر المساهمة في مساعدة الجرحى، والمرضى، لتقدم السينما الأمريكية، أيضاً، في عام 1964 فيلم «الرجل الأخير على الأرض»، المأخوذ عن رواية «أنا أسطورة» للكاتب ريتشارد ماثيسون، التي صدرت عام 1954، ليقدمها المخرجان أوبالدو راجونا، وسيدني سالكو، ولعب بطولته فينسنت برايس، الذي جسد دور الدكتور روبرت مورجان، الذي يواجه بمفرده وباء انتشر في قريته، بعد أن وقعت ابنته، وزوجته، فريسة لهذا الوباء، الذي جاء عبر الخفافيش، التي تنقل نوعاً من البكتيريا للبشر.
الرواية نفسها قدمها المخرج فرانسيس لورانس في عام 2007، بعنوانها الأصلي نفسه، ولعب دور البطولة النجم ويل سميث، غير أنه تناول الموضوع بصورة مستقبلية، حيث تناول الفيلم انتشار فيروس قاتل في عام 2009، ينجو منه أخصائي الفيروسات روبرت نيفيل، ليكتشف أنه فيروس قديم تم تعديل خصائصه الوراثية للاستخدام في علاج السرطان، لكنه ينتشر، ويحقق نتائج كارثية.


علماء الفيروسات


في عام 2013 قدمت كوريا الجنوبية فيلم «إنفلونزا»، من إخراج كيم سونج سو، ولعب بطولته كل جانج هيوك، سو إييه، ودارت أحداثه حول انتقال فيروس غامض في مدينة سيؤول، ليظهر الفيلم كفاح اثنين من الأطباء الباحثين من أجل الوصول إلى مصل يساعد في تطوير علاج للفيروس. ومن الأفلام التي تناولت دور الأطباء وعلماء الفيروسات بشكل مباشر، بل إن بعضها تنبأ بالفعل بما تمر البشرية خلال هذه الأيام «Outbreak»، أو «تفشي»، الذي ظهر قبل ما يقرب من ربع قرن، في عام 1995، من تأليف لورانس دووريت وبول نيومان، وإخراج ولفجانج بيتيرسين، ولعب بطولته داستين هوفمان، ومورجان فريمان، ورينيه روسو، وتناول تفشي وباء أطلق عليه «موتابا» ظهر في دولة إفريقية، وانتقل إلى أمريكا، ويقوم طبيب في معهد البحوث الطبية للأمراض المُعدية بالجيش الأمريكية، بدراسة آثار هذا الفيروس المميت، ويقدم تقريراً إلى رئيسه يطلب فيه اتخاذ التدابير بشأن هذا المرض الخطير، لكن الأخير يرفض، ويصر على قصف المدينة المنكوبة وقتل سكانها المصابين، فيما يعمل الطبيب العالم على إيجاد علاج للفيروس لإنقاذ المدينة المنكوبة.


أطقم التمريض


السينما العالمية لم تهتم بدور الأطباء فقط، بل حرصت أيضاً على تكريم أطقم التمريض، الذين لا يقل دورهم في الأهمية، من خلال فيلم قدمت من خلاله دور رائدة التمريض فلورنس نايتينجيل، في فيلم يحمل اسمها في عام 2008، تأليف وإخراج نورمان ستون، تلك الممرضة البريطانية التي كان لها دور بارز في حرب «القرم» في منتصف القرن التاسع عشر، رغم معارضة أسرتها، لأنها ترى أن في ما تقدمه رسالة إنسانية مهمة لها قدسيتها.
دور الأطباء وعلماء الفيروسات قدمته السينما العالمية، أيضاً، بصورة سبقت الواقع، للدرجة التي أدهشت العالم، حتى إن كثيرين اعتبروا الفيلم الأمريكي «عدوى»، الذي قدمه المخرج ستيفين سوديربيرج في عام 2011، تنبأ بظهور فيروس (كوفيد - 19) الذي يجتاح العالم منذ ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، ولا يزال، إذ يقدم الفيلم ظهور فيروس غامض ينتقل عبر الهواء، واللمس بصورة مرعبة، ويحاول الأطباء السيطرة على الفزع والخراب الذي يعم الأرض بسبب هذا الفيروس، حتى لو كان الثمن أرواح بعضهم.
وقدم المخرج الأمريكي جون إريك دوديل في عام 2008 فيلم «الحجر الصحي»، الذي يتناول تفشي وباء في إحدى البنايات، فيتم احتجاز كل من في المبنى تحت الحجر الصحي، ومعهم الأطباء، والمسعفون، ليواجهوا الخطر مع المصابين، وسط تضحيات غير مسبوقة لإنقاذ الجميع من تفشي الوباء. وقدمت السينما العالمية الأفلام التي تناولت تفشي الأوبئة والفيروسات التي تصيب العالم، بصورة كبيرة ومتعددة، لدرجة أن بعضها سبق الواقع بخياله، وقدم العديد من الأفلام التي تنذر بوقوع كوارث تهدد البشرية، ودور الأطباء والعلماء في مواجهة ذلك، وفي كثير من الأحيان يضحي بعضهم بأنفسهم طواعية، من أجل إنقاذ البشرية، غير أن دور الطبيب في السينما العربية، كان وجوده يختلف إلى حد كبير عما قدمته السينما العالمية.


إنكار الذات


مقابل ما قدمته السينما العالمية، نجد أن ظهور الطبيب في السينما العربية، وفي السينما المصرية تحديداً، ارتبط غالباً بالعديد من صفات الرحمة والإنسانية، وإنكار الذات التي تصل إلى حد التضحية بالنفس، وإن جاء ذلك على ندرته، في ظروف طبيعية بعيداً عن الكوارث، منذ أن قدمت السينما المصرية أول فيلم يحمل اسم «الدكتور» في عام 1939، الذي كتب قصته، وقام ببطولته الفنان سليمان نجيب، وكتب له السيناريو والحوار عبد الوارث عسر، وأخرجه نيازي مصطفى، ليظهر الفيلم مدى إنسانية مهنة الطب، وما يمكن أن يقوم به الطبيب من تضحية، وإنكار للذات حتى في حياته الخاصة.
هذا الفيلم لم يكن الوحيد في تاريخ السينما المصرية الذي حمل اسم «الدكتور»، بل قام المخرج عباس كامل باقتباس مسرحية «دكتور كونك» للكاتب الفرنسي جيل رومان، وتقديمها في فيلم بعنوان «أنا الدكتور» في عام 1968، ولعب بطولته فريد شوقي، ليظهر أهمية الإيمان برسالة الطب، وعلاج المرضى، لكن في إطار كوميدي، عندما يقرر ممرض انتحال صفة طبيب، والسفر إلى منطقة الواحات وشراء عيادة طبيب القرية، ويبدأ بإيهام سكانها بأنهم مرضى لعلاجهم، غير أنه عندما يجد اهتمام الأهالي به، وبدوره، يندم على ما قام به، ويقوم بتسليم نفسه للعدالة.
وربما لم يكن هناك نجم على مر الأجيال، لم يجسد دور الطبيب في واحد على الأقل من أفلامه، باستثناء الفنان عماد حمدي، الذي كان له النصيب الأكبر من أدوار الطبيب على شاشة السينما، وفي العديد من الحبكات الدرامية المتنوعة، بداية من فيلم «سجى الليل» في عام 1948، قصة وحوار يوسف جواهر، سيناريو وإخراج هنري بركات، إذ جسد دور طبيب شاب في مستشفى للأمراض الصدرية، وعندما تنتقل إليه العدوى من أحد المرضى، يضحي بحبيبته ويتركها لصديقه بسبب مرضه. وفي عام 1953 قدم دور الطبيب الذي يقف إلى جوار الفقراء، والمساكين، ويعالجهم مجاناً في المستشفى الخاص بوالده، على غير رغبة والده، بل ويصل به التحدي أن يترك المستشفى الضخم الذي كان يمكن أن يصير ملكاً له، إيماناً منه بأن الطب رسالة، وليس مشروعاً استثمارياً، وذلك من خلال فيلم «وفاء»، الذي كتبت قصته، ولعبت دور البطولة فيه أمامه مديحة يسري، وكتب السيناريو والحوار والإخراج عز الدين ذو الفقار. أما في العام التالي 1954، فلعب دور المريض في الفيلم الشهير «حياة أو موت»، قصة وحوار على الزرقاني، سيناريو وإخراج كمال الشيخ، لتقدم السينما نموذجاً مختلفاً من أبطال «الجيش الأبيض»، في قطاع الصيدلة، ليكون البطل الحقيقي في الفيلم ذلك الصيدلي الذي قام بتركيب دواء بالخطأ، وأعطاه لطفلة، وعندما يكتشف خطأه، يقيم الدنيا ولا يقعدها حتى يجد المريض الذي أرسل في طلب الدواء.


الحجر الصحي


النماذج التي قدمها الفنان عماد حمدي كثيرة جداً، غير أنها كانت تدور في إطار الدور المجتمعي، إلا أن الفنان شكري سرحان قدم ثلاثة من أهم الأفلام في تاريخه، وتاريخ السينما المصرية، من بينهما فيلمان ربما هما الوحيدان اللذان قدما في تاريخ السينما عن دور الطبيب، وتفشي الأوبئة، والعملان للمخرج الراحل توفيق صالح، الأول بعنوان «صراع الأبطال» عام 1962، قصة صبري عزت، سيناريو وحوار محمد أبو يوسف، حول تفشي وباء الكوليرا في إحدى قرى ريف مصر عام 1947، ويقوم الطبيب «شكري» بملحمة لتحدي كل ظروف الفقر، والجهل، والمرض، والإصرار على فرض الحجر الصحي على القرية وعلاج أهلها، رغم معارضة ونفوذ أحد الإقطاعيين. والفيلم الثاني بعنوان «المتمردون» عام 1968 للمخرج نفسه، عن قصة صلاح حافظ، سيناريو وحوار محمد عثمان، وجسد فيه دور طبيب يذهب إلى مصحة وسط الصحراء، فيكتشف أن فيها قسمين، الأفضل لأصحاب الثروة والمال الذين ينعمون بالعلاج الصحيح، والآخر لمن يتم علاجهم بالمجان، وبأقل الإمكانات، حتى لو كانت النتيجة موتهم، فيثور على هذا الوضع، مؤكداً أن رسالة الطب لا تفرق بين ثري، وفقير.
وفي العام نفسه 1968، قدم شكري فيلمه الثالث «قنديل أم هاشم»، عن رائعة يحيى حقي، سيناريو وحوار صبري موسى، وإخراج كمال عطية، الذي جسد فيه دور طبيب العيون، الذي نشأ وعاش في حي السيدة زينب الشعبي، وعاد من الخارج ليحارب الجهل، والمرض، والدجل، والشعوذة، رغم ما يلاقيه من مقاومة كادت تودي بحياته.
بالتأكيد النماذج عدة، ولن ننتهي، ورغم ذلك تظل السينما المصرية بشكل خاص، والعربية بشكل عام، وتحديداً من الأجيال الجديدة، لم تعط الطبيب العربي حقه من التكريم والتشريف، لما قدمه ويقدمه، وسط ظروف غاية في الصعوبة، وربما ستخرج في المستقبل القريب أعمال عدة، تخلد ما قامت به «الجيوش البيضاء»، في معركتهم الأخيرة ضد فيروس «كورونا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"