اختيارٌ في محله

01:03 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

كللت لجنة نوبل جهود برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام 2020؛ تقديراً لجهوده في مكافحة الجوع. وهذه هي المرة الثانية عشرة منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945 التي تختار اللجنة فيها منح جائزتها العريقة إلى مؤسسة أو شخصية مرتبطة بالمنظمة الدوليّة.

 وبالنظر إلى الأرقام المُرعبة للجوعى التي يصدرها البرنامج في تقاريره الدوريّة، مع التمعن في الإيضاحات البيانيّة للأعداد الكبيرة الذي يقوم بدعمها لإنقاذ الضحايا من براثن الموت جوعاً، فإن «الأغذية العالمي» يستحق بجدارة هذه الجائزة المعنويّة، ويُعد تتويجه بها اختياراً موفقاً، خصوصاً في هذا الوقت العصيب.

 البرنامج الأممي يقدم مساعدات لنحو 97 مليون إنسان كل عام في 88 دولة، ويعمل كقوة مُحركة على صعيد جهود منع استخدام الجوع كسلاح يُذكي نيران الحروب والصراعات، فضلاً عن تعريض أفراده أنفسهم للخطر يومياً في سبيل إغاثة مئات آلاف الجائعين من الأطفال والنساء والرجال عالمياً. كما يشير البرنامج إلى أن 1 من كل 9 أشخاص في العالم ينام جائعاً كل يوم، ولأجل ذلك دقَّ ناقوس الخطر؛ مشدداً على ضرورة معالجة الأسباب الجذريّة للعوز الغذائي؛ والتي تتمثل في الصراعات، وتغير المناخ، والتهميش الاقتصادي، كسبيل وحيد للقضاء على الجوع.

 وتُعدُّ إفريقيا القارة الأكثر احتياجاً؛ بسبب الصراعات الداميّة التي تعصف بدولها؛ فالصومال واجه مجاعاتٍ أودت بالملايين، ومنطقة الساحل الأوسط الإفريقي - التي تضم (بوركينافاسو ومالي والنيجر) - تواجه أزمة غذائيّة خطرة. وما يزيد الوضع سوءاً في هذه الدول ما ذكره التقرير الصادر من البرنامج عيّنه؛ والذي مفاده أنه وفي هذه الدول هناك 7.4 مليون شخص لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم التالية، وقد يعانون انعدام الأمن الغذائي قبل العام الجديد؛ نتيجة آثار أزمة «كورونا». ليس هذا فحَسبْ، فللكوارث الطبيعية الدور المركزيّ في زيادة المشردين الذين لا يجدون قوتَ يومهم حول العالم.

 حسب خريطة الجوع لعام 2020 التي أصدرها برنامج الأغذية، تبيّن وصول عدد الجوعى في العالم إلى 840 مليون شخص بحلول عام 2030. 

 هذه الجائزة، لرُبما جاءت لتسلط الضوء على مرض الجوع الذي ينهش العالم اليوم، فالأرقام المعروضة تتطلب من المتنفذين عالمياً ضرورة إيجاد حلول بديلة وخلّاقة لهم، بدلاً من تضييع الثروات بالصراعات العبثية؛ خاصة في ظل مواجهة العالم بأسره لتحديات جسيمة تنهش في استقراره على الصعد كافة؛ بدءاً من استفحال كورونا، إلى أزمات المناخ، والكوارث الطبيعية، والحروب الاقتصادية والعسكرية؛ لذلك فإنّ الوقت قد حان أكثر من أي وقت مضى للمطالبة بهدنة طويلة الأمد تنقذ الشعوب من المهددات التي تعصف بها، وتضعها على سلّم الأولويّات؛ لحفظ كينونتها لا بتحطيمها إما بالقتل المباشر، وإما من خلال خلق الأسباب غير المباشرة، كالجوع مثلاً.

دعم «برنامج الأغذية» من الدول الغنيّة، أضحى ضرورةً مُلّحة، وإلّا فإنّ العالم على موعد مع وباء سينشط عما قريب؛ بل وسيفوق «كورونا»؛ ألّا وهو وباء الجوع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"