إرث ماكرون وميركل من «بريكست»

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

ليونيل لوران *

يسعى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للحصول على امتيازات انفصال تساعده في تسويق صفقة تجارية لمؤيديه في الداخل. وفي الوقت نفسه، يرفض فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري وماتيوز موراويكي نظيره البولندي، الموافقة على حزمة تحفيز بقيمة 1.8 تريليون يورو ( تريليوني دولار) لمعالجة تبعات كوفيد -19 ما لم يتم إلغاء شرط أن يحترم المستفيدون منها سيادة القانون. وقد تم الاتفاق على هذا الشرط من حيث المبدأ في صيغة أكثر ليونة في وقت سابق من هذا العام، ما أسفر عن تهدئة مؤقتة في الخلافات المتزايدة على مستوى الاتحاد.

وكلتا الصفقتين بانتظار الحل قبل نهاية العام، وسط ضغوط إضافية تمليها ظروف استمرار انتشار الوباء في أوروبا. ومع ذلك، فإن أي تنازلات غير متوقعة تحمل مخاطر يحرص كل من إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل على تجنبها. وكل منهما يتطلع إلى تأمين إرثه كمهندس لاتحاد أوروبي أقوى وأكثر تكاملاً بعد انفصال البريطانيين. وفي الوقت الذي يقر الجميع بأن استمرار الاتحاد بات على المحك، فمن الواضح أن هناك عواقب وجودية لتقديم تنازلات أكثر ألماً.

يتمثل التحدي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي في تحديد أفضل السبل التي تربط احترام قيمه بعلاقات الأعمال التجارية بين أعضائه. مثل هذه السبل سوف تضمن تطور الكتلة من مجرد سوق واحد يضم 450 مليون مستهلك أو تجمع قائم على التجارة البحتة، إلى كتلة موحدة يمكنها الاقتراض وفرض الضرائب والإنفاق بسخاء على المشاريع الكبيرة من تغير المناخ إلى الدفاع. لكن خروج المملكة المتحدة يخلق منافساً قوياً يريد حداً أقصى من العلاقات التجارية بعيداً عن القيود التنظيمية،كما قالت ميركل.

فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا ينبغي لجونسون أن يفترض أن الجري على مدار الساعة سوف يجديه نفعاً. صحيح أن عدم التوصل إلى صفقة سيكون فشلاً ذريعاً له، إلا أن التضحيات التي تم تقديمها لتجنب ذلك قد تخلق مشاكل للكتلة المكونة من 27 عضوا. فقد يشجع التراجع عن مطلب «تكافؤ الفرص» في التجارة، الذي يشمل المساعدات الحكومية وحماية البيئة وأنظمة الرعاية الاجتماعية، مع الاستمرار في توفير دخول متميز إلى الأسواق، الشركاء التجاريين أو أعضاء الاتحاد الأوروبي الحاليين بمن فيهم المجر وبولندا، للمطالبة بمعاملة بالمثل.

أما بالنسبة للمعارضين في الخلاف حول ميزانية الاتحاد الأوروبي، فهم في وضع غير مؤاتٍ. تبدو تهديداتهم بحق النقض وكأنها مسرحية. فالمجر وبولندا لم تحصلا على دعم شركائهما في مجموعة «فيسجراد» في قضايا اللاجئين، كما أن دعم أوروبا لدونالد ترامب يضعه على خلاف مع الرئيس المستقبلي جو بايدن. وهذا يمنح أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين مهلة للمماطلة في شرط سيادة القانون، ويضعف موقف الرافضين من النتيجة المنطقية.

من الواضح أن الاتفاق على شروط تجارية عادلة مع المملكة المتحدة وإطلاق برنامج تحفيز جديد سيساعد الاتحاد الأوروبي على تحقيق طموحاته العالمية باعتباره أحد المعايير التي تضع القواعد الراسخة لتطوير الاتحاد بحيث يحقق استقلاله الاستراتيجي. وهذا سوف يساعده على منافسة الولايات المتحدة والصين على المسرح العالمي وعلى صد اعتراضات الشعبويين في الداخل الذين لا يريدون أن يفقدوا المزيد من الصلاحيات لصالح بروكسل.

لكن التكامل الوثيق يتطلب أكثر من مهارات التفاوض التي تمتاز بها ميركل. فالاتحاد بحاجة إلى ترقية رموز التلاحم البيني لسد الفجوات الاقتصادية بين الأعضاء. وهذا مهم بشكل خاص لأوروبا الشرقية، حيث تحقق الصين وروسيا تقدماً في تعزيز حضور كل منهما. كما يجب على ماكرون تعزيز جهوده لخلق مؤسسات سياسية أقوى مثل البرلمان الأوروبي لسد العجز الديمقراطي في الكتلة أيضاً.

ولا يمكن الحد من سرعة تفكك الاتحاد الأوروبي دون تحقيق إنجازات سريعة على هذا الصعيد، لذا يبدو الإرث الذي حصل عليه كل من ماكرون وميركل مملوءاً بالمفاجآت.

* كاتب عمود في «بلومبيرج» عمل سابقاً في «رويترز» و«فوربس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب عمود في «بلومبيرج» عمل سابقاً في «رويترز» و«فوربس»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"