عادي

هذا الكون البديع.. نهايته كبدايته

23:11 مساء
قراءة 5 دقائق
1

يقول د. عبدالباسط الجمل في كتابه «موسوعة الإشارات الكونية»: «اهتمت الدراسات الجيولوجية بدراسة بعض التكوينات الأرضية كالمرتفعات، ومنها الجبال التي تمثل إحدى أدوات الاتزان الحافظة للوضع الفراغي‮ ‬للأرض، بحيث لا‮ ‬يحدث لها ميل شديد في‮ ‬أحد الاتجاهات، بسبب اختلال توزيع كثافتها‮».‬

ويتضح دور الجبال الحيوي‮ ‬عند حدوث انخفاض شديد في‮ ‬مكان ما على سطح الأرض، حيث تحدث‮ ‬إعادة اتزان للأرض، من خلال تكوين مرتفع جبلي‮ ‬يعادل الانخفاض الحادث، وتلك الحقائق أشار إليها القرآن الكريم في‮ ‬قوله: «وَأَلْقَى فِي‮ ‬الأرْضِ‮ ‬رَوَاسِيَ‮ ‬أن تَمِيدَ‮ ‬بِكُمْ‮ ‬وَأنْهَارًا وَسُبُلاً‮ ‬لَّعَلَّكُمْ‮ ‬تَهْتَدُونَ‮»، (‬النحل:١٥). والتعبير بلفظ «أن تميد بكم»‮ ‬يوضح دور الجبال في‮ ‬ضبط حركة الأرض بحيث‮ ‬يؤدي‮ ‬اتزان هذه الحركة إلى استقرار وضع الأرض في‮ ‬الفضاء.

أشار القرآن الكريم إلى دور ووظيفة وشكل الجبال،‮ ‬وأشار أيضاً إلى أكثر الأماكن انخفاضاً في القشرة الأرضية‮. ‬ونقصد بذلك مكان المعركة قبل الأخيرة بين الروم والفرس التي حدثت بوادي نهر الأردن‮. ‬وانتصر فيها الفرس‮، وقد أثبتت الدراسات الجيولوجية أن منخفض وادي نهر الأردن كان‮ ‬يمثل أكثر الأماكن انخفاضاً على سطح الأرض في ذلك الوقت‮ ‬وهذا ما أوضحه القرآن الكريم حيث قال تعالى‮: «ألم،‮ ‬غُلِبَتِ‮ ‬الرُّومُ‮ ‬فِي‮ ‬أدْنَى الأرْضِ‮» (‬آية‮:‬١-٣‮)‬.

ويشير القرآن الكريم في موضع آخر إلى ذلك الجزء المتمم للأرض، والذي نحتك به مباشرة في حياتنا وهو الغلاف الجوي‮. ‬ولذلك فنحن نعيش في الأرض وليس على الأرض، ‬إذ لو كنا نعيش على الأرض لكانت القشرة الأرضية هي الممثلة للإطار الخارجي للأرض، وهذا ليس واقعاً لوجود‮ ‬غلاف‮ ‬غازي حول الأرض، ممسوك بقوة جاذبيتها، وهذا ما أوضحه القرآن الكريم في‮ ‬سورة الروم حيث‮ ‬يقول الله تعالى‮: «‬أوَلَمْ‮ ‬يَسِيرُوا فِي‮ ‬الأرْضِ‮»، (الآية: ٩).

الغلاف الجوي

ويوضح القرآن الكريم إحدى الخصائص الطبيعية للغلاف الجوي، ونقصد بها نقص الضغط الجوي بالارتفاع عن سطح الأرض‮. ‬وذلك لقلة وزن عمود الهواء بالارتفاع، ويؤدي ذلك إلى انخفاض القدرة التنفسية للإنسان كلما ارتفع في الغلاف الجوي، مما‮ ‬يصيبه بضيق شديد في التنفس لانخفاض كمية الأكسجين، مما‮ ‬يؤدي إلى حدوث اختناق، وقد‮ ‬يؤدي للموت، وتلك الحقيقة العلمية نجد محتواها في قول الله تعالى:‮ «‬فمَنْ‮ ‬يُرِدِ‮ ‬اللَّهُ‮ ‬أنْ‮ ‬يَهْدِيَهُ‮ ‬يَشْرَحْ‮ ‬صَدْرَهُ‮ ‬لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ‮ ‬يُرِدْ‮ ‬أنْ‮ ‬يُضِلَّهُ‮ ‬يَجْعَلْ‮ ‬صَدْرَهُ‮ ‬ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا‮ ‬يَصَّعَّدُ فِي‮ ‬السَّمَاءِ كَذَلِكَ‮ ‬يَجْعَلُ‮ ‬اللَّهُ‮ ‬الرِّجْسَ‮ ‬عَلَى الَّذِينَ‮ ‬لَا‮ ‬يُؤْمِنُونَ‮»، (‬الأنعام‮: ٥٢١).

والمقصود بضيق الصدر حدوث‮ ‬انخفاض في معدل التنفس وربط ذلك بالصعود في السماء‮ بسبب نقص كمية الأكسجين كلما ارتفعنا‮.‬

ويذكر القرآن الكريم في سورة الطارق قوله تعالى‮: «‬والسماء ذات الرجع‮» عن إحدى الخصائص الأخرى للغلاف الجوي وهي الطبيعة الرجعية الوقائية لهذا الغلاف، حيث‮ يحدث عكس للموجات المنبعثة من سطح الأرض في طبقات الغلاف الجوي لتعود إلى‮ ‬الأرض‮ ‬مرة أخرى‮.‬ وقد استفاد الإنسان‮ ‬من ذلك في تصميم الأجهزة اللاسلكية العاكسة للموجات على نطاق واسع في مجال الاتصال المختلف‮.‬

ويشير القرآن أيضاً إلى بعض الصفات الخاصة بصخور ومعادن القشرة الأرضية، ومن هذه الصفات تلون صخور الغلاف الصخري والتي تتخذ ألوان معادنها‮.‬

قال سبحانه وتعالى‮ ‬في سورة فاطر‮: «‬ألم تَرَ ‬أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود‮»

وتشير الآية الكريمة إلى أن سبب وجود جبال بيضاء وأخرى حمراء هو الماء‮، ‬وفي ذلك إشارة إلى دور الماء المهم في التفاعلات اللونية للصخور والمعادن‮.‬

هدية من السماء

ويشير القرآن في قوله: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»، (الحديد: ٢٥) إلى معدن الحديد الذي أجريت عليه تجارب وأبحاث عديدة لمعرفة كيفية تكوينه، وأثبتت الدراسات استحالة تكون عنصر الحديد في الظروف الأرضية لحاجته إلى مستوى طاقة‮ ‬يصعب توفرها في ظل الظروف الأرضية، ومن هنا قطع العلماء بأن الحديد قد تكوَّن في كوكب أو جرم آخر تسمح ظروف الطاقة به بتكوينه‮‬، ثم نقل إلى الأرض بميكانيكية نجهل كيفيتها وهذا ما أوضحته الآية الكريمة التي تشير إلى إنزال الحديد.‮ ‬

والإنزال‮ ‬يكون فقط من مستوى مرتفع إلى مستوى منخفض، وفي هذه الحالة هو ارتفاع وانخفاض في مستوى الطاقة اللازم لتكوين عنصر الحديد‮.‬

كما وردت بالقرآن الكريم بعض الإشارات الخاصة بالغلاف المائي للأرض وهو الغلاف المكون من الماء الذي‮ ‬يوجد جنباً إلى جنب مع الهواء الأرضي في المسام الموجودة بين حبيبات الغلاف الصخري‮. ‬كما‮ ‬يوجد بصورته الكبيرة متمثلاً في البحار والمحيطات والأنهار مشكلاً الغلاف المائي للكرة الأرضية‮.‬

دورة المياه

ولوجود الماء أهمية في استمرار الحياة على سطح الأرض لحدوث التمثيل الضوئي في النباتات لإنتاج المواد الغذائية اللازمة للإنسان والحيوان، وأيضاً لحدوث سائر التفاعلات الحيوية‮.‬

وتكون الماء بداية عند انفصال الأرض عن الشمس ككتلة‮ ‬غازية ملتهبة، ثم تعرضت لظروف تبريد عالية تشكل على آثرها‮ ‬غلافها الصخري والغازي والمائي‮.‬

إذاً أصل ماء الأرض من الأرض، ‬وهذا ما أثبتته الدراسات الجيولوجية باستخدام الإشعاع‮‬، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النشأة في قوله‮: «‬أخرج منها ماءها ومرعاها‮»، (‬النازعات: ٣١).

ثم‮ ‬يتحدث القرآن الكريم عن دورة الماء، حيث‮ ‬يتبخر من المحيطات والبحار، ويتحول إلى حالة ‬غازية في صورة سحب تتكثف بعد ذلك لتتحول إلى قطرات ماء تنزل على هيئة مطر مكوناً الأنهار والمجاري المائية العذبة، ويتسرب بعضه إلى باطن الأرض،‮ ‬ويتجمع في مساكن مائية، وقد‮ ‬يتحرك من جهة إلى أخرى مكوناً الآبار والينابيع، وهذه الحقائق العلمية عبر عنها القرآن بقوله‮: «ألَمْ‮ ‬تَرَ‮ ‬أنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬يُزْجِي‮ ‬سَحَابًا ثُمَّ‮ ‬يُؤَلِّفُ‮ ‬بَيْنَهُ‮ ‬ثُمَّ‮ ‬يَجْعَلُهُ‮ ‬رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ‮ ‬يَخْرُجُ‮ ‬مِنْ‮ ‬خِلَالِهِ‮ ‬وَيُنَزِّلُ‮ ‬مِنَ‮ ‬السَّمَاءِ مِنْ‮ ‬جِبَالٍ‮ ‬فِيهَا مِنْ‮ ‬بَرَدٍ‮ ‬فَيُصِيبُ‮ ‬بِهِ‮ ‬مَنْ‮ ‬يَشَاءُ‮ ‬وَيَصْرِفُهُ‮ ‬عَنْ‮ ‬مَنْ‮ ‬يَشَاءُ‮ يَكَادُ‮ ‬سَنَا بَرْقِهِ‮ ‬يَذْهَبُ‮ ‬بِالأبْصَارِ‮»، (النور: ٣٤).

يلتقيان ولا يختلطان

يمثل الماء ما‮ ‬يقرب من‮ 57% من مساحة الأرض، ويمثل الماء المالح النسبة الأكبر، والماء العذب النسبة الأقل‮.‬ وقد بذلت دراسات عديدة وتجارب حول نقاط الالتقاء المشتركة بين المياه العذبة والمياه المالحة‮، وهل‮ ‬يطغى نوع على الآخر؟ وكم تبلغ‮ ‬نسبة احتفاظ كل منهما بخصائصه‮؟ و‬أشارت التجارب المبدئية إلى احتمال وجود حقول جزئية تعمل على منع حدوث خلط بين نوعي الماء، مما‮ ‬يجعل كلاً منهما‮ ‬يحتفظ بخصائصه الثابتة له‮.‬

ومع تقدم الدراسات الهيدرولوجية واستخدام المجالات الكهربية والمغناطيسية فيها، ثبت وجود جزيئات خاصة تنشأ نتيجة التقاء جزيئات مختلفه في طبيعتها‮ تعمل من خلال وجودها في شكل بنائي محدد ومتكرر‮ (‬شكل بلوري) ‬على منع اختلاط نوعي الماء ببعضهما‮. ‬وهذا ما ورد في سورة الرحمن‮ «‬مَرَجَ‮ ‬الْبَحْرَيْنِ‮ ‬يَلْتَقِيَانِ‮ ‬بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ‮ ‬لَا‮ ‬يَبْغِيَانِ»، (١٩-٢٠).

ولكن‮.. تلك المنظومة الكونية البديعة لن تدوم بغير نهاية ولكنها ستنتهي، وقد أجريت دراسات عديدة لمعرفة مصير تلك المنظومة، واستخدمت في ذلك معدلات قياس الطاقة الكونية التي تسير في اتجاه الزيادة المستمرة، وأكدت قياسات الطاقة‮ ‬التي استخدمها العلماء بلوغ‮ ‬الحد الحرج من الطاقة، مما‮ ‬يؤدي إلى فناء هذا الكون‮، فكما بدأ تكوين هذه الأجرام السماوية من خلال انفجار أحدثه بلوغ‮ ‬الطاقة حدها الحرج، ستنتهي أيضاً بانفجار هائل لبلوغ‮ ‬الطاقة حدها الحرج‮.‬

وأشار القرآن الكريم إلى هذه النهاية العكسية الشبيهة بالبداية في قوله‮: «يَوْمَ‮ ‬نَطْوِي‮ ‬السَّمَاءَ‮ ‬كَطَيِّ‮ ‬السِّجِلِّ‮ ‬لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ‮ ‬خَلْقٍ‮ ‬نُعِيدُهُ‮ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‮»، (الأنبياء: ٤٠١).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"