دول الخليج والأمن القومي العربي

02:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. مصطفى الفقي

تمثل قضية الأمن القومي العربي هاجساً كبيراً لدى شعوب المنطقة، إذ إن كل التهديدات التي تستهدف العرب يجري تركيزها على منطقة الخليج باعتبارها ذات موقع استراتيجي حاكم، فضلاً عن حساسية العلاقة مع دولة الجوار إيران أخذاً في الاعتبار أن مجلس التعاون الخليجي يعتبر حتى الآن أكثر المنظمات الإقليمية في العالم العربي انضباطاً وفاعلية بسبب التجانس الواضح بين دوله، والشراكة الكاملة في سياساته الإقليمية والدولية، ولولا أحداث مرت بذلك المجلس في السنوات الأخيرة لظل أمره متماسكاً قوياً كالعهد به، ولكن تغريد دولة قطر خارج السرب قد انعكس سلباً على تماسك مجلس التعاون الخليجي، وإن كنت ممن يظنون أن المجلس يملك مقومات التماسك حتى الآن بسبب درجة التجانس العالية بين دوله ومجتمعاته المتشابهة، فضلاً عن التقارب النسبي في معدلات الثروة إلى جانب التاريخ المشترك والجغرافيا التي حكمت الترابط بين دول ذلك المجلس.
ولقد ظلت «إسرائيل» مصدر الخطر الحقيقي على دول المشرق العربي، وامتد القلق إلى دول الخليج بسبب أطماع الدولة العبرية في ثرواتها، إلى أن برزت الأطماع الإيرانية في السنوات الأخيرة، بحيث تصدرت الدولة الفارسية سلسلة المخاوف ودواعي القلق لدى الخليجيين الحريصين على الأمن القومي للمنطقة العربية ولدول الخليج تحديداً، فتغير ترتيب الأولويات وأصبحت إيران بسياساتها الاستفزازية الهاجس الأول في العقل الخليجي بسبب الجوار الجغرافي المباشر، والتهديدات التي شكلتها طهران على المنطقة منذ قيام (ثورة الخميني الإسلامية) عام 1979، فهي تحتل ثلاث جزر من دولة الإمارات وتهدد بشكل متواصل استقرار وسلامة مملكة البحرين، فضلاً عن العبث السياسي أحياناً في دولة الكويت وشرق المملكة العربية السعودية، وتأليب الشيعة العرب على أقطارهم مع أنهم جزء لا يتجزأ من تلك الأقطار، كما أن ولاءهم الذي جرى اختباره في كثير من المناسبات يؤكد أنهم صادقون في عروبتهم، خصوصاً أن تشيعهم يسبق الدولة الصفوية في إيران بعدة قرون. وعندما وقعت الحرب الإيرانية العراقية التي امتدت لبضع سنوات برهن الشيعة العراقيون على ولائهم لبلدهم، وانحازوا إلى صفوف المقاتلين ضد سطوة إيران ومحاولتها العبث بخريطة ذلك الوطن الكبير، ويهمني هنا أن أسجل الملاحظات التالية:
} أولاً: إن الأمن القومي الخليجي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي التي لا يمكن تفتيت عناصرها أو تقسيم مصادر الخطر تجاهه، لأن الوحدة الجغرافية والعلاقة العضوية بين دول الخليج سوف تجعلها دائماً محط أطماع أمام سياسات إيران غير الواضحة.
} ثانياً: لقد تابعنا تصريحات وزير الدفاع الإيراني في إطار المواجهة الحادة بين طهران وواشنطن مؤخراً، فإذا بالوزير الإيراني يهاجم الدول العربية ويصب جام غضبه على دول الخليج، ويضم خطابه تهديدات واضحة، في وقت قد نرى فيه أيضاً إشارة تهدئة من جانب إيراني آخر، بحيث يصعب تحديد سياسة واضحة لإيران تجاه غيرها، ونحن لا ننسى أن إيران هي داعمة الحوثيين في اليمن في حرب تستهدف استنزاف المملكة العربية السعودية وجيشها وخلق مناطق نفوذ إيرانية جنوبي السعودية وعلى شاطئ البحر الأحمر.
} ثالثاً: لا ننسى ما صرح به مسؤول إيراني كبير يوم أن دخل الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء، لقد قال ذلك المسؤول «ها هي العاصمة العربية الرابعة تسقط في أيدينا بعد بغداد ودمشق وبيروت»، ليكشف بذلك عن مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية.
} رابعاً: إن ظهور الخطر الإيراني لا يعني إطلاقاً اختفاء الخطر «الإسرائيلي»، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نقل سفارة بلاده في «إسرائيل» إلى مدينة القدس وإعلان مرتفعات الجولان جزءاً لا يتجزأ من خريطة الدولة العبرية، في استفزاز واضح لمشاعر العرب والفلسطينيين، بل والشعوب الإسلامية برمتها. ويتمسك عرب الخليج بثوابت القضية الفلسطينية في ذات الوقت الذي يواجهون فيه الخطر الإيراني أيضاً.
} خامساً: لقد نسي الجميع ما جرى لمنطقة «عرب الأهواز»، واختفى اسم «عربستان» في محاولة لهضم الوجود العربي للدولة الفارسية، مثلما حاولت إيران دائماً إخفاء اسم الخليج العربي، واستخدام تعبير الخليج الفارسي في كل الأدبيات الإقليمية أو الدولية. والملاحظ هنا أن العلاقات الوثيقة بين طهران والعواصم الغربية بما فيه الولايات المتحدة، بل وقنوات التواصل مع «إسرائيل» ذاتها من خلال يهود إيران يشكل في مجموعه صورة مختلفة لما تبديه إيران علناً من سياسات، وما تخفيه سراً من توجهات، حيث أصبحنا أمام مجموعة تساؤلات حول الدور الإيراني في المنطقة، وهو الذي كان يجب أن يكون إضافة إلى قوة العالم الإسلامي لا أن يكون خصما له.
إن أمن دول الخليج جزء لا يتجزأ من منظومة كبيرة تمتد في غرب آسيا وشمال إفريقيا لمواجهة كل القوى التي تستهدف سلامة العرب وأمنهم، ولقد رأينا الولايات المتحدة و«إسرائيل» تهددان إيران على امتداد الثلاثين عاماً الأخيرة، ولكنهم يضربون العرب في العراق وسوريا والأرض الفلسطينية المحتلة لأسباب مختلفة وتحت شعارات مصطنعة! ويبقى الأمن القومي العربي في النهاية تعبيراً شاملاً له مضمون متماسك في كل الظروف، وأمام كافة التحديات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"