قناع الاندماج

05:41 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

افتتاح أول مسجد في سلوفينيا الأسبوع الماضي. مراهقة فرنسية تتهجم على الإسلام. محكمة أوروبية في هذه الدولة أو تلك تنظر قضية بخصوص الزي الإسلامي.
مشاكل اللاجئين المزمنة في عدة بلدان أوروبية فيما يتعلق بالتعليم واللغة..الخ، هذه بعض العناوين التي نقرأها بصورة يومية وتؤشر كما يصدر لنا الإعلام إلى أن هناك مشكلة كبرى في قدرة العرب والمسلمين على الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، ولكنها تسكت عن مشكلة تتعلق بتسامح تلك البلدان العلمانية، مع المختلفين ثقافياً، وفي العمق تتغاضى عن أزمة هوية ضاربة بجذورها في الوجدان الغربي.
أشار البعض من المفكرين إلى أن دراسة الشرق أو ما عرف بالاستشراق كان الدعامة الفكرية التي رافقت الاستعمار، وربما لم يلحظ أحدهم تلك المفارقة التاريخية المتمثلة في أن الشرق كان موضوعاً دائماً لدراسة وتحليل وتشريح الغرب في فترات انهيار وصعود هذا الأخير، واستمر هاجس الشرق حتى في أعقاب ما بعد الكولونيالية، وذلك بعكس الشرق الذي لم يكن معنياً بذلك الغرب المتخلف في القرون الوسطى، حتى إن رحالة مثل ابن بطوطة أمضى ما يقرب من ثلاثين عاماً في التجوال حول العالم لم يكن شغوفاً بزيارة أوروبا آنذاك، برغم أنه عرج على بلد مثل مالي، والظواهر التي تؤكد تلك المفارقة عديدة وتحتاج إلى قراءات أخرى.
عرف الشرق فكرة الآخر، سواء في مكوناته الاجتماعية أو في علاقاته بدول العالم الأخرى، ولكنها لم تتسم أبداً بذلك الشكل المرضي أو اللهاث الفكري لتشكيل «أنا» ذات نقاء ثقافي كما حدث في الغرب، نحن ننسى دائماً أن تشكل الدولة الغربية متعددة الأطياف التي تتعايش في سلام نتاج ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشهدت ولا تزال الكثير من المعوقات التي تعترض أسس فكرة قبول الآخر، ويبدو أنها تعاني الآن رياح ما بعد الحداثة، حيث تتعالى أصوات ترفض المختلف وتطالب بالانكفاء على الذات.
إن رفض دولة إقامة دار عبادة لمدة خمسين عاماً كما في حالة سلوفينيا، أو السخرية من البشر بسبب ملابسهم، ممارسات تؤكد أن «الأنا» الغربية ما زالت تمارس هوايتها في التحسس من ذلك الآخر «الشرقي» حتى عندما يعاني هذا الآخر إشكاليات لا نهاية لها.
أما ميراث التنوير الأوروبي الذي رفعته دولة حقوق الإنسان فهو على المحك، فالقيمة الجوهرية النظرية لتلك الدولة أن يتعايش جميع المختلفين في سلام تحت مظلة المجتمع المدني بآلياته وقوانينه، أما عندما تحاول الدولة أن تقنع الأقلية باستنساخ قيم وأفكار وثقافة الأغلبية فهو مؤشر خطر على أزمة هوية في هذه الدولة، فضلاً عن توجه عنصري جديد يتقنع وراء حجة الاندماج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"