اكتئاب «اللايكات»

04:33 صباحا
قراءة دقيقتين
جمال الدويري

هل فعلاً هناك أناس يصابون باكتئاب إذا لم يحقق منشورهم على أيٍّ من مواقع التواصل عدداً كبيراً من الإعجابات والتعليقات؟
وهل فعلاً أنهم قد يطالعون صفحتهم باليوم عشرات المرات، بعد أن يضعوا «البوست» أو «الصورة» أو «الحالة»، ثم يطلون كل قليل على صفحتهم؛ لمراقبة من دخل، ومن علق، ومن أعطى شارة إعجاب، أو أنه شاهد ولم يعلق؟.
إذا كان ذلك صحيحاً، فإننا أصبحنا بحاجة لأطباء نفسيين من درجة أخرى، أو تخصصات دقيقة أكبر؛ لتعي كيفية التعامل مع فتاة أو شاب أصيب باكتئاب؛ لأن منشوره لم يحصد «لايكات» كما يجب، بينما منشور صديقة حصد أكثر منه، رغم أن منشور صديقة -كما يعتقد- أقل أهمية مما نشر هو أو أنه «تافه».
مشاكل جديدة تظهر لنا كل فترة، أهميتها أقل، وقيمتها أقل، إلى درجة بتنا معها نحتاج إلى دراسة متوقعات «مشاكل المستقبل»، فكما للمستقبل تحدياته ووظائفه وابتكاراته، له أيضاً «مشاكله»، وكل ما نأمله هنا أن تكون المشاكل ناتجة عما يطرأ من جديد على الحياة، لا أن تكون مشاكل مسطحة لجيل يجري تسطيحه أكثر وأكثر، وأكبر قضية له محصورة في «هاتف» بين يديه.
هل يعقل أن يرفض الأحفاد زيارة بيت جدهم لأنه ليس به «إنترنت» فيضطر الجد المسكين إلى أن يضع شبكة «واي فاي» حتى يمتع ناظريه برؤية أحفاده، فيزوروه «مدججين» بأجهزتهم، فلا يملك من كل زيارتهم إلا أن يجلسهم في أحضانه، وأذهانهم مشغولة فيما بين أيديهم من أجهزة.
لا شك أننا أمام تحولات كبيرة في بنيتنا المجتمعية، ومنظومة القيم والأخلاق التي نعرفها أو تربينا عليها، وأيضاً أمام نوع جديد من المشاكل، و«السطحية» في كل شيء، ما ينذر بوجوب الوعي والتيقظ أكثر وأكثر لمشاكل المستقبل، تماماً مثل ما يجري الاستعداد له بكل المقومات.
سبب هذا «التسطيح» أن الشركات المالكة لمواقع التواصل، تبحث بلا شك عن موارد مالية، بغض النظر عن أية آثار جانبية قد تخلفه منتجاتها، «إلا ما قد يسبب لها ملاحقات قانونية»، وأصبحت بلا شك من أغنى الشركات في العالم، وأصبحت أيضاً تنشط في تجفيف المنابع أمام المشتركين؛ حتى لا يستفيدوا بأي شكل، إلا أن بعض «رواد التواصل» أجادوا استخدام هذه المواقع، فحققوا منها دخلاً كبيراً، وبعضهم حقق دخلاً كبيراً جداً.
المفاجأة التي تعترض هؤلاء «الرواد»، أن شركات «المواقع» باتت تبحث إخفاء «اللايكات» عن العامة، بحيث لا يراها إلا واضع «المنشور» نفسه. هذه العملية ستجفف أيضاً منابع الخير عمن أجاد استخدام هذه المواقع، فأصبحت تدر عليه دخلاً؛ لأن معدل دخله الإعلاني مرتبط بمقدار شهرته، وعدد متابعيه، وشارات الإعجاب التي يحصدها.
لكن إخفاء «اللايكات» سيقلل أيضاً أعداد «المكتئبين» من قلتها؛ لأنه في هذه الحالة لن يحرج من أصدقائه ومعارفه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مساعد مدير التحرير، رئيس قسم المحليات في صحيفة الخليج

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"