بمناسبة يوم المرأة

02:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عبدالعزيز المقالح

منذ أيام انطوى من دون أضواء، أو أصداء، اليوم العالمي للمرأة. هذا الإنسان الصبور والجدير بأسابيع من كل عام، لا بيوم واحد، لا لكونه الأم والأخت والابنة والزوجة فحسب، وإنما لكونه وعاء الحياة، وصانع بيت الزوجية بامتياز، وبلا منافس. وما يغيب، أو بالأصح يغيّب في هذا اليوم المكرس للحديث عن المرأة وردودها، وما عانته منه، ولا تزال تعانيه، الإشارة ولو من بعيد إلى معاناة شقيقها الرجل، وما عاناه، وما لا يزال يعانيه هو أيضاً، في سبيل الحصول على حقوقه المستلبة بوصفه آدمياً من حقه أن يتمتع بحقوقه كافّة، لكي تتمكن رفيقته في الحياة وفي المحنة من أن تتمتع هي الأخرى بحقوقها كافة، فقد أثبت الواقع الإنساني قديماً وحديثاً أن الأزمنة التي لا ينال فيها الرجل حقوقه هي الأزمنة نفسها التي لا تنال فيها المرأة حقوقها.
ومن هذا المنطلق نرى أن حقوق «الإنسان» وفي هذه التسمية تعني الرجل والمرأة، فإذا كانت قد تحققت لأحدهما الحقوق لكانت قد تحققت للآخر، وفي عصور التردي والانحطاط لم تكن أسواق النخاسة وقفاً على النساء فقط، بل كانت تشمل الرجال أيضاً، وكان الضحايا من جميع الأجناس بيضاً وسوداً وصفراً، ومن الشرق والغرب، من الشمال والجنوب، ولا تزال تلك الأسواق قائمة، وإن تحت مسميات أخرى، وبمواصفات تتناسب مع لغة العصر وتطوراته السياسية والاجتماعية. وهو ما يؤكد أن التطور اقتصر على الشكل ولم يلامس جوهر المشاكل الإنسانية، وفي مقدمتها حقوق الإنسان في العدل والحرية والكرامة، وفي النظر إليه بوصفه إنساناً لا آلة تباع وتشرى.
ولا يزال الحديث عن المرأة في يومها العالمي أو في سائر الأيام يقتصر على الوقوف عند معاناتها هي وحدها في منأى عن معاناة الرجل الذي المحنا في السطور السابقة إلى أنه لو كان قد استعاد حريته وتمكن من نيل حقوقه كاملة لما استمر وضع المرأة على ما هو عليه.
وينبغي أن أوضحّ هنا أن الرجل الذي أتحدث عنه هو كل الرجال العاطلين والضائعين الفاقدين لأبسط الحقوق، وهو حق توفير الطعام الذي تجد الأغلبية الساحقة مشقة في الحصول عليه. فضلاً عن الحقوق الأخرى التي تعد ترفاً مقابل هذا الحق الذي من دونه لا مكان للحياة، ولا وجود للأحياء. والصور التي تلتقطها العدسة للباحثين عن بقايا طعام في القمامة ليسوا من النساء فقط، بل ومن الرجال أيضاً.
إن تخصيص المرأة بيوم عالمي لمناقشة ظروفها الراهنة، والدعوة إلى أن يتم إنصافها، والتمكين لها من نيل حقوقها كاملة، لا يجوز أن يكون في منأى عن الحديث عن إنصاف الرجل والتمكين له من حيث إثبات وجوده، لا سيما في البلدان المتخلفة التي يعيش فيها الرجال والنساء حياة خالية من أبسط الحقوق وأقلها شأناً. وما أسوأ تلك الأصوات التي ترتفع في البلدان المتخلفة من غياب الحق الطبيعي للمرأة من دون إشارة إلى وضع الرجال الذين هم بلا حقوق، وتوجيه الاتهام إليهم بالعمل على سلب حرية المرأة والصمت عن معاناتها، وهي أصوات لا تساعد على نهوض المرأة، وأخذ مكانتها اللائقة بها في المجتمع الجديد، وإنما تساعد على إخفاء حقيقة التخلف، وما يتركه في واقع الرجال والنساء من إحباط وشعور بالمرارة والجهل، وما يترتب على غياب التعليم الجاد ويعاينه مناخ المعرفة من تراجع وانكسار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"