التخبط الأمريكي في سوريا

03:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

يبقى الهدف الأساسي للمشروع التركي في سوريا (والعراق) استعادة الهيمنة على الشريط الحدودي داخل سوريا والعراق الذي كان ضمن خريطة «الميثاق الملّي» لعام 1920.
أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإشارة العملية الأولى للعملية العسكرية التركية في شرق الفرات. وكان ذلك مفاجئاً إلى حد كبير، حيث إن الإشارات السابقة كانت معاكسة لذلك تماماً.
فاتفاق المنطقة الآمنة في ال 7 من أغسطس / آب الماضي بين ترامب وأردوغان لم يتم تنفيذه، ومن ثم رفض ترامب لقاء أردوغان في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. وفي نهاية الأسبوع الماضي كان مسؤول أمريكي يحذر من الانعكاسات السلبية لأي عملية عسكرية تركية على المصالح الأمنية المشتركة.
يوم الأحد الماضي كان اتجاه رياح البيت الأبيض معاكساً تماماً. بيان من البيت الأبيض يشير إلى أن تركيا ستنفذ عملية عسكرية في شرق الفرات وبأن الولايات المتحدة لن تشارك ولن تدعم هذه العملية، وإن تركيا ستكون مسؤولة عن «داعش». ومن ثم تغريدة لترامب يؤكد فيها أنه سيسحب القوات الأمريكية في شرق الفرات، لأن الولايات المتحدة لا تريد المحاربة عن غيرها، وأنها تترك أمر مواجهة «داعش» لكل من تركيا وروسيا وسوريا وإيران والأكراد. وبعد ذلك جاء بيان لوزارة الخارجية الأمريكية ورد فيه أن واشنطن لن تقدم أي دعم للعملية العسكرية التركية.
بين المواقف الأولى والمواقف الثانية تناقض كبير يحمل على القول: إنه نتيجة تخبط واضح في السياسات الأمريكية في عهد ترامب. فترامب الذي فضّل عدم التعرّض لإيران على الرغم من إسقاطها إحدى أهم طائراته، وترامب الذي لم يردّ على قصف أرامكو في السعودية، هو نفسه اليوم يقول إنه سينسحب من سوريا ويترك العملية العسكرية التركية تأخذ مجراها.
موقف ترامب هذا يأتي في سنة الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية، وهو يريد أن يقول للأمريكيين: إنه لا يضحي بالجنود الأمريكيين في حروب الآخرين. لذا كان مستعداً للقبول حتى بدور إيراني في سوريا، بدل أن يعمل على إخراج إيران من سوريا.
أيضاً، فإن تدخل تركيا وضرب الأكراد يزيل عقبة وربما عبئاً أمام أمريكا لإعادة العلاقات مع أنقرة إلى طبيعتها. ومن ثم الانحياز إلى حليف طبيعي وكبير في حلف شمال الأطلسي بدلاً من التحالف مع جماعات كردية ظرفية لا تمثل ثقلاً وازناً في معادلات المنطقة.
تستفيد تركيا من التخبط في السياسات الأمريكية، وتضغط على واشنطن من أجل عدم مجابهة عملية عسكرية تركية في شرق الفرات. وهو ما نجحت فيه تركيا. ولكن ما أهداف تركيا من العملية العسكرية في شرق الفرات؟
1- تريد أنقرة، في إطار الفوبيا العالية من الأكراد أينما وجدوا، أن تضرب الوجود الكردي المسلح في شرق الفرات، والذي ترى فيه تهديداً إرهابياً لأمنها القومي. ولذا لن تقتصر العملية على ذلك، بل ستسعى إلى اجتثاث كل أثر لما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية في تلك المنطقة. وهنا أخطأ الأكراد مرة أخرى بالرهان على الدعم الأمريكي الذي لا يعرف صديقاً ولا حليفاً، والذي تركهم الآن فريسة لعدوهم اللدود تركيا.
2- تسعى أنقرة لاحتلال المزيد من الأراضي في سوريا لتجميع أكبر قدر من أوراق الضغط على طاولة المفاوضات عندما يحين وقت البحث في الحل النهائي للأزمة في سوريا.
3- سيطرة القوات التركية على منطقة شرق الفرات كلياً أو على شريط محدود على امتداد الحدود يقوي موقعها التفاوضي حتى مع حلفائها، وفي مقدمهم روسيا وإيران.
4- يريد أردوغان تحسين وضعه الداخلي بعد تراجع شعبيته في الانتخابات البلدية والانشقاقات في حزب العدالة والتنمية، وليس أفضل من ممارسة سياسته المعتادة، وهو العزف على الوتر القومي، وخوض المغامرات الخارجية.
5- مع ذلك يبقى الهدف الأساسي للمشروع التركي في سوريا (والعراق) استعادة الهيمنة على الشريط الحدودي داخل سوريا والعراق الذي كان ضمن خريطة «الميثاق الملّي» لعام 1920، سواء بالاحتلال المباشر أو (وهذا ما فعلته عملياً في مناطق احتلالها في جرابلس وعفرين) بتغيير البنية الديموغرافية والأمنية والاجتماعية فيه، وفي هذا الإطار تأتي دعوة تركيا لتوطين مليوني لاجئ سوري في منطقة شرق الفرات، ليكون شريطاً تابعاً للهيمنة والنفوذ التركي في حال لم تستطع تركيا الاحتفاظ به مباشرة.
تفتح العملية العسكرية التركية الباب على مرحلة جديدة من الوضع في شمال سوريا وفي سوريا عموماً، مع الأمل ألا يكون عماد هذه المرحلة المزيد من الأطماع الخارجية في أراضي سوريا، وعلى حساب وحدة أراضيها والمزيد من انتقاص سيادة الدولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"