عادي

مطاردة بلا كلل للجراد المدمر في سماء كينيا

20:36 مساء
قراءة 4 دقائق
1

كينيا - أ.ف.ب
مع طلوع الفجر، يحلق كيران ألين بمروحيته فوق السهول في وسط كينيا، ليبدأ بمطاردة الجراد مسابقاً الوقت قبل أن تفرد الشمس أشعتها الدافئة وتهاجم هذه الحشرات النهمة الأراضي الزراعية المجاورة.
هذا الطيار الذي تستخدم طائرته عادة في السياحة أو مكافحة الحرائق أو إنقاذ متنزهين في محنة، تحول إلى حارس في مواجهة أمواج الجراد التي تجتاح البلاد منذ ما يقرب من 18 شهراً، الآتية من الصومال وإثيوبيا المجاورتين. في كانون الثاني/يناير وحده، قطع كيران ما لا يقل عن 25 ألف كيلومتر، محلقاً فوق السهول الشاسعة التي ترعى فيها الحمير الوحشية ومزارع الذرة الخضراء ووديان الغابات والمساحات القاحلة الواقعة إلى الشمال.
في ذلك الصباح، تلقى إشارة عبر الراديو. عليه تغيير الاتجاه والتوجه إلى سفوح جبل كينيا؛ حيث أبلغ الأهالي مركز مكافحة الجراد عن وجود سرب منها. ويؤكد الطيار ما إن يصل إلى المنطقة عبر الراديو «أرى لوناً وردياً على الأشجار»، مشيراً إلى سرب من الجراد يغطي مساحة من نحو 30 هكتاراً على حافة غابة الصنوبر. يشير اللون الوردي الداكن إلى أن الحشرات في طور نموها، عندما يتملك منها الجوع.
وتقع المزارع المجاورة على مسافة جيدة من المنطقة. يتصل كيران ألين بطائرة ستصل بعد بضع دقائق لرش المبيدات. على الأرض، وتحت أشعة الشمس الدافئة، تطير سحابة الجراد السميكة مصدرة حفيفاً يشبه حفيف المطر الخفيف. سوف يستغرق المبيد بضع ساعات ليفعل فعله.
يقول كيران: «إن حقول القمح هذه تغذي قسماً كبيراً من البلاد. وستكون كارثة إذا وصلت إليها»، مشيراً إلى مزرعة واسعة في هذه المنطقة شديدة الخصوبة من جبل كينيا.

 موجة ثانية

ينتقل الجراد الصحراوي الذي غزا تسع دول من شرق إفريقيا منذ منتصف عام 2019 ولا سيما كينيا وإثيوبيا والصومال وكذلك إريتريا والسودان وتنزانيا وجيبوتي، ضمن أسراب مدمرة من ملايين أو حتى مليارات الحشرات التي تجتاز مسافة تصل إلى 150 كيلومتراً في اليوم، مدمرة كل ما يقع في طريقها من مزروعات.
وتلتهم كل جرادة ما يعادل وزنها من النبات ويزداد عددها بمقدار 20 مرة كل ثلاثة أشهر، وقد أسهمت في تكاثر هذه الحشرات مواسم الأمطار الأخيرة التي كانت من بين أكثر المواسم رطوبة منذ عقود.
لم تشهد بعض البلدان مثل كينيا مثل غزو الجراد هذا منذ 70 عاماً، وعانت الاستجابة الأولى لمكافحتها من ضعف التنسيق ونقص المبيدات والطائرات لنشرها، وفق سيريل فيران، الخبير لدى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) المقيم في نيروبي.
ولوقف الموجة الثانية التي تضرب كينيا وإثيوبيا والصومال حالياً، نشرت السلطات موارد إضافية.
في كينيا، تعاونت الفاو مع شركة «51 ديغريز» المختصة في إدارة المحميات والتي أعادت توليف برمجياتها المستخدمة لرصد الصيد الجائر أو الحيوانات البرية المصابة أو قطع الأشجار غير القانوني، وأضافت إليها رصد أسراب الجراد.
كما استُحدث خط مباشر لتلقي المكالمات من وجهاء القرى أو كشافة مدربين يبلغ عددهم 3000 منتشرين على الأرض.
يجري تشارك المعلومات حول حجم الأسراب وخط سيرها مع الحكومات والمنظمات التي تعمل على مكافحة هذه الآفات. يقول باتيان كريغ مدير شركة «51 ديغريز»، «لقد تغير نهجنا تماماً بفضل البيانات الجيدة والسريعة والدقيقة».
على الجانب الكيني، تركزت العمليات على «خط الدفاع الأول» في مناطق حدودية نائية وأحياناً وعرة مع إثيوبيا والصومال، ما أدى إلى تفتيت أسراب ضخمة قبل وصولها إلى الأراضي الزراعية في كينيا.
عندما يتغير اتجاه الرياح وتعود الأسراب إلى إثيوبيا، يتولى الطيارون الذين ينتظرون عبر الحدود زمام الأمور.
لكن القيام بمثل هذه العمليات مستحيل في وسط وجنوب الصومال؛ حيث ينشط المتطرفون، ولا تبدأ المكافحة إلا بعد وصول الأسراب إلى الأراضي الكينية.

«لم يتبق شيء»

يقول سيريل فيران: إن غزو الجراد أثر في غذاء نحو 2.5 مليون شخص في عام 2020 ومن المتوقع أن يؤثر في 3.5 مليون شخص في عام 2021 في جميع أنحاء المنطقة. ويمكن للتنبؤ بهطول كمية أقل من المتوسط من الأمطار جنباً إلى جنب مع تحسين الرصد أن توقف الغزو، لكن من الصعب تحديد متى سيوضع حد نهائي له.
كما لا يمكن استبعاد حدوث غزوات أخرى؛ إذ يقول الخبير إنه مع التقلبات المناخية الكبيرة في المنطقة، «علينا أن نبدأ في النظر في ما يجب أن نحصل عليه من أدوات إذا بدأت المنطقة تشهد زيادة في الغزوات المتكررة».
في غضون ذلك، تستمر الموجة الثانية من الجراد في إحداث الفوضى.
في قرية ميرو، يكتسح الجراد النهم مزرعة جين غاتوموا التي تزرع الذرة والفاصوليا على مساحة خمسة هكتارات تقريباً.
تقول المزارعة «لقد وصلت قبل نحو خمسة أيام وهي تدمر كل شيء. تساعدنا هذه المحاصيل على دفع الرسوم المدرسية للأطفال وتؤمن لنا القوت.. لم يتبق لنا شيء الآن، وسنواجه مشكلة كبيرة».

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"