تخصص الفوضى

01:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
يعرّف البعض الفوضى بأنها «فقدان للنظام والترابط بين أجزاء مجموعة أو جملة أجسام، سواء كانت جملة فيزيائية أو مجتمعاً إنسانياً أو اضطرابات قبلية أو سياسية مثل فقدان الأمن في منطقة معينة»، ونتيجة للاضطراب في أي فعل إنساني تحدث شروخ كثيرة تسهم في تداعي جسد هذا الفعل وتعجل في شيخوخته ليكون خلال مدة قصيرة فاقداً للصلاحية التي ربما تؤدي إلى فساده وانحرافه عن هدفه وقيمته، أو تعجل في تسممه أو سرطنة جزء منه ما يستدعي بتره أو بقاءه معطلاً.

هناك مؤسسات ثقافية تتخصص في إشاعة الفوضى في العمل الثقافي، ولا تتوقف عند نقطة معينة لأخذ قسط من التفكير وإيجاد دواء يعالج داء الفوضى المستشري في أروقة ذلك المكان، فهي تعمل بين حين وآخر على إعطاء مسكن لوجع مؤلم ومؤرق وملازم للحالة الثقافية المتأزمة من هذه الحال، والتي ربما وصلت إلى درجة من عدم التحمل، فالمكان الذي يوجد فيه أكثر من فعل يختلف في التوجه والرؤية ويدار بنفس الأشخاص لن يكون هذا العمل ناجحاً، فتداخل الآراء ينتج عنها رؤية ضبابية مشتتة، وإلا فكيف بإمكان مجموعة من الأشخاص على اختلاف تخصصاتهم أن يفتوا جميعاً في تخصص واحد؟ وكيف لمن تخصص في مجال المسرح أن ينظر في اختيار أو اقتراح شكل فعالية شعرية ويشارك في اختيار من سيشارك، ويتداخل معه في الاختيار من تخصص في الفن التشكيلي وآخر في القصة وغيره في الرواية، وكيف سيخرج هذا الاختيار؟
نستطيع أن نكتشف حجم فشل معظم الفعاليات من خلال هذا التداخل الغريب، ومن خلال الدخول في تلك المؤسسات وحضور مناشطها ومعرفة عدد ورضا من يحضرها، وقد حضرت مؤخراً فعالية أقيمت على يومين في نفس المكان واختلف فيها المشاركون، كما اختلف من اختارهم، ولم أصدم بعبارة قالها أحدهم معلقاً «الحمد لله أني حضرت هذه الفعالية بعد أن كدت أقرر مقاطعة هذا المكان وفعالياته بعدما وجدته ليلة البارحة من قتل وهدم ومشاركة في نعي وقبر الأدب والثقافة.
قد لا يكون سبب الفشل من الأشخاص الذين كتب عليهم أن يقوموا على إدارة كل تلك الأنشطة على اختلافها، إنما قد يعود إلى أنظمة لا تناسب الأدب ولا تسهم في خدمة الثقافة وأهلها، ولذلك لا بد من وقفات كثيرة ومراجعات متأنية تعمل على إيجاد آلية لإدارة تلك الأزمات بطريقة سليمة مبنية على رؤية واضحة وتجربة غنية تفهم الواقع وتتعامل معه بإيجابية، والبداية التي يفترض أن تتغير هي تلك العقلية التي لها القدرة على التغيير، فإذا ما استمرت تلك العقول في إدارتها للأزمة من خلال اللامبالاة أو عدم الاكتراث والاكتفاء بتسجيل رقم يضاف إلى ما سبقه من أرقام لفعاليات فاشلة، فإن البيت سيبقى على هذا الرقص الرخيص في ميدان الأدب، وينطبق عليه المثل القائل «فاقد الشيء لا يعطيه» وعلى أقل تقدير ومن باب المثل الآخر» إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع» وهو أن يتخلى صاحب التغيير عن جزء من نرجسيته وغروره في أنه ملك زمانه والمفكر الأوحد وصاحب الرأي السديد، وإعطاء مساحة من الرأي لأشخاص يمتلكون القدرة على طرح رؤى وأفكار وآليات تسهم في الحل، فنجاح الفعل الثقافي الذي سيكون من خلالهم سيعود عليه وعلى إدارته، فليس من الضرورة أن يكون الكل في المستوى نفسه، ولا يمكن لبشر أن يحوي العلم كله، والقدرات والمعارف موزعة على خلق الله، ولذلك لا بد من إحلال المتخصص في مكان تخصصه لكي يتغير واقع الحال، ولتتخلص بعض تلك المؤسسات شيئاً فشيئاً من هذه الفوضى التي جعلتها أماكن يقيم عليها الأدب والثقافة مأتماً وعويلاً، والخوف كل الخوف أن يقتنع البعض بهذه الفوضى وتلبس قناع مصطلح الفوضى الخلاقة التي جرّت على الأمم الويلات وأسهمت في تدمير أجزاء من الحضارات بحجة حسن النية في القصد والعمل بالبركة وعدم الاكتراث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"