إيران بين العرب والغرب

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

سعت إيران منذ الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 إلى إعادة رسم خريطة علاقاتها الإقليمية والدولية، واستثمرت لصالحها كل أحداث الفوضى التي عرفها الوطن العربي من أجل صياغة سياسة خارجية قائمة على 3 مرتكزات رئيسية:
1- التدخل غير المسبوق في الفضاء الجيوسياسي العربي.
2- المحافظة على حالة من التوتر النسبي المدروس مع واشنطن.
3- محاولة استثمار حالات التصعيد مع أمريكا من أجل التقارب مع أوروبا من خلال تطوير مشاريع اقتصادية مشتركة لاسيما مع فرنسا وألمانيا.
وفضلاً على المرتكزات الثلاثة السابقة حافظت طهران على سياستها القائمة على محاولة الاستثمار السياسي للصراع العربي - «الإسرائيلي» من أجل تنفيذ أجنداتها في المنطقة، القائمة بالدرجة الأولى على محاولة فك عزلتها البحرية في مضيق هرمز من خلال العمل على إيجاد منفذ بحري في شرق المتوسط، كما استغلت تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة من أجل دعم علاقاتها مع تركيا وروسيا.
وقد اعتمدت إيران من أجل دعم نفوذها في المنطقة العربية على البعد الطائفي بشكل يكاد يكون حصرياً، إذ إنه ومع استثناءات نادرة جداً شهدت علاقات إيران بمحيطها العربي توترات متصاعدة خلال العقدين الأخيرين بسبب التدخلات المباشرة والمستفزة لطهران في الشؤون الداخلية للدول العربية وانخراطها المباشر في الأزمتين السورية واليمنية وتهديدها للأمن القومي لبلدان المنطقة وفي مقدمتها دول الخليج العربي.
ومن الواضح أن طهران لن تنجح في كل الأحول في ربط جزر أرخبيلها، لأنه وباستثناء بعض النخب الدينية والسياسية المحسوبة عليها، فإن الشعوب العربية في عواصم هذا الأرخبيل ترفض بشكل قوي الوصاية الإيرانية على المنطقة.
وتعمل طهران منذ وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى سدة الحكم واتخاذه لقرار الانسحاب من الاتفاق النووي، من أجل المحافظة على شيء من التوازن في علاقاتها بدول أوروبا الغربية وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا لاسيما على المستوى الاقتصادي بحكم الصلات التي تربط الصناعات البترولية والميكانيكية في إيران بشركات أوروبية كبرى مثل توتال وبوجو الفرنسيتين.
وبالنسبة لصلات إيران بالصراع مع «إسرائيل»، فإنه وباستثناء ما حدث من توتر في شهر فبراير/‏ شباط 2018 بالقرب من الحدود مع الجولان السوري المحتل، فإننا نستطيع أن نلاحظ مع فريديريك إنسل، بأنه بالإمكان أن نشك بكل عقلانية في الإرادة الحقيقية للطرفين «الإسرائيلي» والإيراني في الدخول في مواجهة مباشرة .
أما فيما يتعلق بمحور طهران - أنقرة - موسكو، فإن العلاقة ما بين هذه العواصم كانت وما تزال مرهونة بعلاقة هذه العواصم بالغرب، حيث يأتي الحوار الدبلوماسي القائم بينها، كتعويض عن توتر علاقاتهم مع الغرب. ونلاحظ في السياق نفسه أن التنسيق بين هذه الدول في سياق مسار أستانا المتصل بالأزمة السورية، يذكرنا بالسلوك التاريخي لإمبراطوريات هذه العواصم في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإنه وفي سياق ملء الفراغ الناجم عن انحسار التواجد الأمريكي في المنطقة بعد قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بسحب القسم الأكبر من قواته من العراق، تعمل كل من إيران وتركيا على فرض أجنداتهما على المنطقة العربية، في اللحظة التي تسعى فيها موسكو إلى محاولة إعادة الانتشار الاستراتيجي في العالم.
ونخلص في الأخير إلى أن سياسة إيران تعتمد في الأساس على خيارين مهمين أولهما قائم على الخصومة والمشاغبة والتوتر الدائم مع محيطها العربي، والثاني على التودد مع الغرب بالرغم من مظاهر التصعيد اللفظي بينها وبين واشنطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"