انهيار السلطة بين الخوف والرجاء

02:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبدالخالق
خلال الأسبوع الماضي أبلغ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أعضاء حكومته أن السلطة الفلسطينية معرضة للانهيار، وأن «إسرائيل» تسعى للحيلولة دون ذلك ولكن لا بد أن تستعد لحدوثه. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا الحديث عن الجانب «الإسرائيلي»، وإن كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها نتنياهو علناً عن هذا الأمر. قبل ذلك بنحو أسبوعين تقريباً نشرت صحيفة «هاآرتس» تقريراً عن تحذير الأمن والاستخبارات من الانهيار الوشيك والمحتمل للسلطة.

تاريخنا مع «إسرائيل» لا يدع مجالاً لحسن النية في التعامل مع ما يصدر عنها من أقوال أو أفعال. لا يمكن التسليم تلقائياً بصحة ما تسربه عن الانهيار المحتمل للسلطة. ولكن في الوقت ذاته ليس بوسع أي متابع أن يستبعد حدوث هذا الاحتمال على ضوء توافر بعض المؤشرات المثيرة للقلق فيما يتعلق بأحوال السلطة وقدرتها على الاستمرار.
ودون المجازفة بترجيح احتمال الانهيار، لا مفر من التفكير في التداعيات المحتملة إذا حدث هذا التطور الخطير. لكن قبل ذلك لا بد من التوقف عند التوقيت الذي اختارته «إسرائيل» لإثارة مسألة السلطة ومستقبلها. يوجد احتمالان لتفسير ذلك، الأول أن الانهيار سيحدث بالفعل إما لوجود معلومات لدى «إسرائيل» تفيد بذلك، أو أنها هي نفسها التي تتآمر لهدم السلطة.
الاحتمال الآخر هو وجود أهداف سياسية لنتنياهو يحققها الترويج لهذا الادعاء. وهناك تفسيرات عدة لطبيعة تلك الأهداف، منها أن ما تقوم به «إسرائيل» ليس أكثر من جولة جديدة في حربها النفسية المستمرة على الفلسطينيين ورئيس السلطة محمود عباس لإضعافه والإبقاء عليه في موقف المدافع عن نفسه دائماً.
وللحكومة «الإسرائيلية» دوافع واضحة للانتقام من عباس في هذا التوقيت حيث تتهمه بعدم بذل ما يكفي من الجهد لقمع الفلسطينيين والسيطرة على انتفاضة السكاكين. كما أثار عباس حنقها قبل ذلك بإصراره على نقل القضية الفلسطينية للمحافل الدولية.
ثمة تفسير آخر وهو أن الإبقاء على انطباع دولي عام بأن السلطة على وشك الانهيار يعفي نتنياهو من أي التزام تفاوضي معها. لأنه ليس من المنطقي التفاوض أو الاتفاق مع كيان هش يوشك أن يتداعى، وبالتالي ينهار معه أي اتفاق يتم التوصل إليه. قد لا يكون ذلك مهماً في الوقت الراهن لأن المفاوضات مجمدة تماماً، ولكن انهيار السلطة فعلياً أو الإبقاء على انطباع بإمكانية حدوث ذلك سيكون مفيداً ل «إسرائيل» لاسيما بعد انتخاب رئيس أمريكي سيسعى على الأرجح إلى تحريك الملف الفلسطيني.
أياً كانت الحسابات «الإسرائيلية» فهناك بالفعل مؤشرات قوية على ضعف السلطة، أولها غياب آلية واضحة لخلافة عباس الذي بدأ عامه الحادي والثمانين ويصر حتى الآن على عدم اختيار نائب له. هناك أيضاً ما تصفه التقارير الغربية بأزمة الشرعية التي تعانيها السلطة بفعل توجهاتها التي توصف بالقمعية، وعدم إجراء انتخابات سواء برلمانية أو لقيادة فتح، فضلاً عن الفشل في انتزاع أي مكسب من «إسرائيل».
وإذا كان المواطن الفلسطيني ينظر إلى السلطة باعتبارها الكيان المؤقت الذي تشكل بناء على اتفاقيات أوسلو تمهيداً لإقامة الدولة المستقلة، فإن عدم قيام الدولة يطرح تساؤلاً بديهياً عن جدوى وجود السلطة نفسها طالما أن الهدف منها لم يتحقق.

السؤال الطبيعي بعد ذلك هو ماذا لو انهارت السلطة بالفعل. هنا يطرح موقع «فوكس» الإخباري الأمريكي ( وهو غير قناة Fox ) تصورين للتصرف «الإسرائيلي» المتوقع. الأول أنه لن يكون أمام «إسرائيل» سوى إعادة نشر قوات ضخمة في المناطق التي تسيطر عليها السلطة حالياً بما في ذلك التجمعات والمدن ذات الكثافة السكانية العالية، والتي ستصبح مسرحاً لشتى صور الفوضى والاضطراب.

وسيكون على «إسرائيل» إضافة إلى المهام الأمنية الثقيلة ممارسة دورها كسلطة احتلال بما يعني مسؤوليتها عن تسيير أمور الحياة اليومية للسكان بما في ذلك المدارس والمستشفيات والخدمات المدنية كلها. مثل هذا الوضع يمثل كابوساً حقيقياً ل«إسرائيل». ولن يكون مستبعداً أن تتكبد خسائر بشرية بسبب الاحتكاكات المتوقعة مع الفلسطينيين، فضلاً عن التكاليف الاقتصادية الباهظة، لاسيما أن المساعدات الدولية للسلطة ستتوقف بعد انهيارها.
الخيار الثاني أمام «إسرائيل» سيكون الابتعاد عن التجمعات الفلسطينية الكبيرة ومحاصرتها من الخارج كما تفعل مع غزة. إلا أن هذا لا يبدو اختياراً حكيماً أيضاً لأنه سيترك فراغاً أمنياً كبيراً في الضفة وستتقدم حماس لملئه بالطبع. ولا يجب إغفال وجود نحو 30 ألف جندي بأسلحتهم يتبعون السلطة حالياً، ولا بد أن تفكر «إسرائيل»» في مصيرهم وكيفية السيطرة عليهم وضمان ألا يتم توجيه أسلحتهم إليها. لكل هذا فإن انهيار السلطة لا يبدو مفيداً ل «إسرائيل»، حتى لو كان بين «الإسرائيليين» من يتمنى ذلك.

لا يبقى إلا تساؤل أخير هو كيف يمكن أن تنهار السلطة؟

يطرح الموقع الذي أشرنا إليه 3 سيناريوهات: الأول وهو أضعفها احتمالاً هو أن تقرر القيادة الفلسطينية بنفسها حل السلطة لأنه لم يعد بوسعها الاستمرار. الثاني هو أن تؤدي الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية «الإسرائيلية» إلى شل فاعليتها ثم انهيارها. السيناريو الثالث هو تفجر صراع داخلي أو تمرد يمزق أحشاء السلطة تماماً.

أخيرا أين المواطن الفلسطيني من كل ما يجري؟ الإجابة المؤلمة هي: لا أحد يتذكره.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"