الخليج بين الفاشية والتنوير

02:51 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تمر منطقة الخليج العربي بمرحلة دقيقة بسبب التوتر القائم بين الولايات المتحدة وإيران والاعتداء في مناسبتين على ناقلات النفط، وسط تحذيرات متعددة من تطور الوضع إلى الأسوأ، إذا غابت الحكمة والتعقل، وتمكن المتهورون من تنفيذ أجندتهم الشريرة بضرب الاستقرار وتهديد أمن أهم منطقة استراتيجية في العالم.
وتجنباً للأسوأ، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة، بما تحمله من رصيد في التعايش والتسامح والاعتدال، سباقة إلى التنبيه لمخططات ظلامية تتربص بالمنطقة، وهو ما عبر عنه بوضوح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، حين أكد في المؤتمر الصحفي مع إيكاترينا زاهاريفا نائبة رئيس الوزراء للإصلاح القضائي ووزيرة خارجية بلغاريا في صوفيا، أن هناك أنظمة فاشية وفكراً فاشياً يريدان تدمير المنطقة، وشدد على أن مواجهته تكون حصراً بالفكر والتنوير والتسامح ونشر النجاح. ويصدر هذا الموقف من معرفة دقيقة بمختلف التيارات الجارية في المنطقة، وبالتخصيص، فإن هذا الإقليم برؤى متعارضة، بين من ينظر إلى المستقبل ويشيّد صروح الحضارة والتقدم، وبين من يريد العودة إلى الماضي رافعاً معاول الهدم والتدمير وتفخيخ سبل النهوض والازدهار بالأزمات والاعتداءات المفتعلة، كما هناك من يريد الاستثمار في هذا التأزم ونشر أفكاره الفاشية والعنصرية، محاولاً الهيمنة على الكل دون قراءة للمتغيرات، وعزوفاً عن الاستلهام من روح العصر الداعية إلى الوئام وحسن الجوار ونبذ الفتن.
في مناسبتين خلال شهر، تم استهداف ست ناقلات نفط في الخليج العربي، ولا يبدو أن هذين الاعتداءين عشوائيين، بل كل المؤشرات تؤكد أن تنفيذهما تم بأساليب عالية الفعالية والدقة، إصراراً من المنفذ على عدم ترك قرائن الإدانة، وهذه الأساليب لا تتوفر إلا لدى الدول أو جماعة إرهابية تلقى الدعم من دولة ما. وفيما تستمر التحقيقات، تحوم الشبهات حول دور إيران في الحادثين، بالنظر إلى تهديدات سابقة لمسؤوليها باستهداف طرق إمدادات الطاقة وإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، واستتباعاً لما يقوم به المتمردون الحوثيون في اليمن من اعتداءات على السعودية وضربهم الشهر الماضي مضختي نفط داخل المملكة، وتلقى هذه الاعتداءات الدعم والتأييد، بصورة معلنة، من طهران، ما يجعل الاستنتاج بأن تنفيذ هذه الاعتداءات يعود إلى مرجعية واحدة.
لقد بلغت منطقة الخليج درجة عالية من التوتر وسط مخاوف من أن أي خطأ ربما يشعل حرباً واسعة، لن تكون في مصلحة أحد. وتجنباً للمحظور، تتوالى نداءات الاحتكام إلى التعقل وحل جميع المشاكل بالحوار والدبلوماسية الفاعلة، وقد وجهت الإمارات، في أكثر من مناسبة، دعوات صادقة إلى إيران لتجنب كل ما يثير الأزمات. وترددت الدعوة أيضاً في قمم مكة الأخيرة، وهذه المواقف تصدر عن قناعات في دول الخليج العربية بأن إيران هي جار أبدي بحكم التاريخ والجغرافيا. ومهما عظمت الخلافات، فإن المشتركات أكثر من أن تحصى، وإذا تم البناء عليها بصدق، فإن هذه المنطقة متعددة المكونات ستكون نموذجاً للتنوع والتعايش والتنوير، ونقطة إشعاع حضاري تلهم العالم أجمع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"