الإصلاحات السياسية والحاجة العراقية

06:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يختلف اثنان على أن ما حدث في العراق بعد التاسع من أبريل/ نيسان ،2003 كان تحولاً عميقاً طال كافة ركائز وأعمدة الدولة العراقية الحديثة التي أسست عام ،1921 تحت هذه الحجة أو تلك، بل إن بعض هذه الحجج كان وليد المزاج الشخصي لمن يريد التغيير، من دون أن يعي أن مؤسسات الدولة ليست ملكاً لأحد أو لزمن أو لطائفة، ما أوجد إشكالية محيرة بآليات العمل المتحقق من قبل الدولة، ووضع خيارات البدائل في نطاق ضيق لا يستجيب لما هو مطلوب إنجازه، وهذا ما أضعف من وهج تلك الإجراءات حتى وإن كانت ذات قيمة عليا في مسيرة الوطن العراقي.

وقبل أيام قدمت بعض الأطراف السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية ما سمّته وثيقة الإصلاح السياسي، بعد أن لمست مدى العجز والبطء المتحقق في الأداء الوظيفي لعموم أجهزة الدولة، في ظل أشكال المحاصصة والتمترس والاستقطاب الطائفي والاثني الذي كان سمة من سمات المرحلة السابقة، الأمر الذي أثقل مسيرة المرحلة الجديدة بأدوات إعاقة وتعطيل لأي إنجاز تتطلع الدولة لتحقيقه، وحدوث ذلك يصيب العملية السياسية، برمتها بمقتل إزاء عجز الجميع عن المعالجة وفقاً لسياسات الاستقطاب الرائجة.

وبقدر ما يرى مسؤول الدولة العراقية - أياً كان لونه وطائفته وفكره السياسي - واجباته المطلوب تحقيقها برؤية شمولية لعموم الوطن العراقي، بقدر ما تكون نتائج تلك الإنجازات ذات جذر راسخ لا يمكن اقتلاعه وفقاً للرغبة أو المزاج. والسبب في ذلك وهذا أحد قصور الثقافة السياسية الشائعة عند النخب السياسية الحاكمة في العراق الآن أنها لا تفرق بين مفهومي السلطة والدولة، وتعتقد، متوهمة، أن إجراءاتها الهادفة لترسيخ سلطتها أياً كان حجمها أو آثارها السلبية لن تكون أحد أوجه الضعف في أداء الدولة. لكن مسيرة أكثر من ست سنوات قد أوضحت مدى الضرر المتحقق في أداء الدولة وإجراءاتها حينما جرى الخلط بين هذين المفهومين. لذلك فإن أي جهد يستهدف الإصلاح السياسي عليه أن يفك ويفرز ذلك الاختلاط الحاصل لكي تكون إجراءاته سليمة.

إن مسيرة الدولة العراقية الحديثة التي تأسست عام ،1921 كانت مبنية على قواعد راسخة ورصينة ووطنية، لكن حينما حل المحتل الأمريكي في أرض الرافدين فإنه استهدف أولاً اقتلاع الدولة العراقية ومؤسساتها تحت مفهوم ما سمّوه الخيار صفر تساوقاً مع أهدافه ومع احتياجات أمن إسرائيل، فإن الجهد المركزي المطلوب تحقيقه من جميع المشاركين في العملية السياسية تقوية أداء الدولة، وترميم الثغرات الحاصلة، واعتبار ذلك جهداً مركزياً مطلوباً من الجميع المساهمة فيه، لأن السلطة حالة مؤقتة، في حين أن الدولة أحد الثوابت غير القابلة للتشطير والعبثية. ففي كيان الدولة الصحيح تولد السلطة السليمة والمعافاة، وفي ذلك إنصاف لجميع الناس، بعيداً عن أشكال المحاصصة الطائفية والعرقية التي فقست بيوضها تحت جناح المحتل وقوى الظلام المتعدد المناهج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"