لا شيء في الوطن العربي على ما يرام

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
الفارق كبير وشاسع بين كتابة هادئة ناعمة تستند إلى روح مطمئنة ومناخ مستقر، وكتابة قلقة متوترة صادرة عن مناخ ملتهب وحاد. ولعل هذه الإشارة تكفي للرد على أولئك الذين يقولون إن كل شيء على ما يرام ويطلبون من الكاتب - أي كاتب - أن تكون كتابته مبهجة ومفعمة بالفرح المصطنع التي تدفع القارئ إلى الابتسام وإن كانت عيناه مترعتين بالدموع. وما أكثر هذا النوع من محترفي الكتابة الذين يجيدون اصطناع الفرح في المآتم ويجرؤون على الضحك وسط سرادقات العزاء، ويرون من وراء نظاراتهم البيضاء أن كل شيء على ما يرام.

واضح أن المناسبات الدينية والوطنية تأتي في هذا المنعطف الصعب لتكون امتحاناً حقيقياً للكتابة المعبرة عن واقعها بأمانة وصدق ودونما مبالغة أو تزيد. وواضح أيضاً أنه من الصعب على كُتاب بعينهم أن ينساقوا وراء النداءات الارتجالية الداعية إلى تصنع الفرح والاستجابة لرغبة مستوى من الجمهور اللاهي الذي لا يكاد يعي شيئاً عن المناخ السياسي والاجتماعي الراهن، وما تتعرض له أمته من عدوان مستمر وتآمر لا يتوقف عن استغلال الخلافات وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بل بين أبناء البيت الواحد والعائلة الواحدة. ولأن المبدعين هم أكثر حساسية من غيرهم تجاه ما يجري وأكثر قدرة على التقاط فعاليات الواقع فإنهم دائماً لا يستجيبون سوى لنداء مشاعرهم وما تقتنع به ضمائرهم، وهم كغيرهم يحلمون بواقع جميل خال من القبح والخوف وبكتابة تشع فرحاً وبهجة، لكن ما ذنبهم إذا كان الواقع يتناقض مع تلك الأحلام، واقع غاية في القبح واللا إنسانية.

ولهذا فإن الكاتب - أي كاتب لا يخون نفسه أو يخون قارئه- لا يستطيع أن يستجيب. بل لا يصغي إلى مثل تلك الدعوات التي يطلقها نفر من الهاربين من مواجهة واقعهم المقيت وممن يرفضون أن تكون الكتابة انعكاساً صادقاً لما حدث ويحدث حولهم، وكأنما تجاهل الواقع وما يضطرب في أجوائه يساعد على التغير المطلوب دون جهد يذكر. وهو موقف «النعامة» تلك التي تدس رأسها في التراب كلما أحست بالخطر، وإذا صح أن هؤلاء هم التعبير عن الموقف العام للغالبية فإن زمن التغيير سيتأخر كثيراً، ليس ذلك فحسب بل إن الواقع الراهن سيتطور من سيئ إلى أسوأ، وأي شعب يخدع نفسه ويغالطها بأن الأوضاع ستعمل على حل مشكلاتها بذاتها ودون تحدٍ أو مواجهة وتصحيح الخلل أولاً بأول لن يكون في مقدوره أن يخرج من محنته أو ينتصر على أخطائه وعلى أعدائه الظاهرين والعاملين في الخفاء.

وما أبعد الشعوب الحية، الشعوب المتقدمة عقلياً وحضارياً عن النماذج المتخلفة ووعيها المتقدم يجعلها تؤمن بما يسمى بالخوف اللا مرئي، أي الخوف المنظور، الخوف المستقبلي، وهي تستعد لمواجهته قبل حدوثه وتسعى بكل إمكاناتها لمنع وقوعه وهذا عكس ما يحدث في الشعوب فاقدة الوعي بحاضرها ومستقبلها، كما هو حال غالبية الأقطار العربية التي تحاول أن تهرب من واقعها ولا تعطي أدنى اهتمام تجاه الخوف المنظور والمعيش، الخوف الذي يتلبسها ليل نهار وقد تبذل جهداً خارقاً لإقناع مواطنيها بأن كل شيء على ما يرام وأن الحديث عن المستقبل ما هو إلا ضرب من التنجيم وقراءة الفنجان. وسيكون من الصعب كما سبقت الإشارة وتكررت أن تتمكن هذه الأقطار المبتلاة بخداع النفس من تجاوز واقعها الأليم أو أن تتخطى عقبة واحدة من العقبات الكثيرة التي تقف في طريق أي حركة صادقة للصعود.

والأمل معقود الآن على الصحافة الحرة ذات التوجهات الوطنية والقومية الصادقة، ومن ثم على الكتابات الجريئة التي بدأت تدق الأجراس معلنة بكل الصدق والوضوح أن أحوال الوطن العربي ليست على ما يرام، وأن الخوف من تداعيات الحاضر يستدعي قدراً أكبر وأعمق من الوئام والتوافق لدرء ما يتكدس في أجواء هذا الوطن الكبير من عواصف ورياح عاتية لا تهدد أقطاراً بعينها وإنما كل أقطار هذا الوطن دون استثناء.. واحذروا من يقول أو يروج لغير ذلك.


د.عبدالعزيز المقالح
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"