عادي
تعديلات الأحوال الشخصية.. ريادة وإنسانية وحفظ المصالح

الإمارات تحترم خصوصيات 200 جنسية بتطبيق قوانينهم

23:56 مساء
قراءة 8 دقائق
6

تحقيق: جيهان شعيب

دأبت إمارات التسامح والتجانس والتآلف على توفير كل ما يمكنها من سبل الراحة، والاستقرار، والأمان، لمواطنيها ومقيميها، دونما تفرقة أو تمييز، وحرصت على ذلك بتواصل غير منقطع، وبتصميم أصيل على إراحة الجميع، وتدعيم وشائج ارتباطهم، بالأرض الطيبة التي يعيشون، ويقيمون عليها ،ولأن دولة الإنسانية من الريادة بمكان في كل ما تأتي به من قرارات، وتوجيهات، وأنظمة، فقد طوعت حتى قوانينها لخدمة مقيميها، حيث أقرت منذ فترة بعض التعديلات على أحكام قانون الأحوال الشخصية الاتحادي، والمعاملات المدنية الاتحادي، والعقوبات الاتحادي، والإجراءات الجزائية الاتحادي، وذلك في إطار سعيها لتطوير بنيتها التشريعية، وتعزيز مكانتها المتميزة كأحد أهم الدول الجاذبة اجتماعياً، واقتصادياً، على مستوى العالم، مع تأكيد التزامها بترسيخ مبادئ حماية وكفالة حقوق الإنسان، بما يتفق وهويتها، وتوجهاتها، وسيادتها، وتأكيدها المشهود باحتوائها التعددية الثقافية لتركيبتها السكانية.

كان من التعديلات المهمة ما لحق بقانوني الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية من إتاحة المجال لغير المواطنين، بتطبيق قوانين بلدانهم على تصرفاتهم في شؤون الميراث، والتركات، وتنفيذ الوصايا، والخلافات الأسرية من الطلاق والانفصال وغيره، تحقيقاً لاستقرار الأسر، وتدعيم أواصر العلاقات، حيث تملي القوانين الجديدة أنه إذا تزوج شخصان في بلدهما الأم، ومن ثم اختلفا، وأرادا الطلاق في الدولة، ستطبق عليهما القوانين المعمول بها في البلد الذي أجريت فيه مراسم الزواج، في معاملات الطلاق، ما يعزز احترام الإمارات لخصوصيات 200 جنسية مقيمة على أرضها، ويعزز ريادة الدولة وإنسانيتها وحفظها لمصالح المقيمين.
توازن موضوعي
والتعديلات التي أدخلت على القانون من الأهمية والرحمة بمكان لغير المواطنين، حيث تثبت مجدداً التفرد الذي أضحت عليها جوانب الحياة كافة فيها، من احترامها لخصوصيات الجميع، وصونها حقوقهم، في إطار احتوائها ما يعدو على 200 جنسية يعيشون بتوافق، وتآلف، وتجانس تام، في ضوء الشعور الجمعي بالمساواة، والراحة، وأجواء التراحم، والاحتضان، والاحتواء، التي ينعم بها الكل، فيما لا شك أن التعديلات من الإيجابية في الانعكاسات التي تسفر عنها، فضلاً عن بعض ما تتضمنه من تفاصيل أخرى من الأهمية بمكان.
ويقول المستشار القانوني د. يوسف الشريف: تنفرد دولتنا الرشيدة منذ اتحادنا الميمون ببذل جهود حثيثة في احتواء التعددية الثقافية للتركيبة السكانية التي تعيش على أرضها الطيبة، ومن أهم مظاهر هذا الاحتواء، هو الخروج على قاعدة دستورية راسخة، تتشبث بها الدول في منظوماتها التشريعية، وهي سيادة قانون الدولة، وتطبيقه في أنحائها شرقاً، وغرباً، وشمالاً، وجنوباً، أرضاً وبحراً وجواً، وعلى كل من يقيم على أراضيها، أياً كانت جنسيته، وهويته الدينية والاجتماعية، من عادات وتقاليد، وأعراف، في جميع ما يمس شؤون حياته، فيما من آثار هذه القاعدة، عدم جواز تطبيق قوانين أجنبية، لاعتبار أن ذلك يمثل مساساً بسيادة الدولة، وسلطاتها، وهيمنتها على أرجاء حدودها.
ويقول: ما من ريب في أن مثل هذه النصوص تتيح المجال لغير المواطنين لاختيار القوانين التي تطبق على أحوالهم الشخصية، وتصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات، وهو ما يؤدي لتحقيق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب في الدولة، وتعزيز الأمن الاجتماعي وضمان الحريات الشخصية.
مبادئ واضحة
ويعقد المحامي مختار غريب تفصيلياً مقارنة بين جوانب المواد المعدلة، وما كانت عليه قبلاً، مع بيان النتائج المتوقعة، بقوله: خلال السنتين الماضيتين (2019 /2020) قام المشرع الإماراتي بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية والتي غيّرت الحياة الاجتماعية لمواطني الدولة، والأجانب المقيمين فيها على حد سواء، وبحق فقد حمت الأسر، وأراحت العائلات، وبيان ذلك أن المادة (1) من قانون الأحوال الشخصية المعدلة، وتحديداً الفقرة (3) منها، استثنت في تعديلها الأخير -بإضافة عبارة: (... وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المواد 12 و13 و14 و15 و16 و17، و27 و28) من قانون المعاملات المدنية الصادر بالقانون الاتحادي رقم 5 لسنة 1985. 
وتنص المادة (13) من قانون المعاملات المدنية المعدلة على أنه: (1-يسري قانون الدولة التي عقد فيها الزواج على الآثار الشخصية، والآثار المتعلقة بالمال التي يرتبها عقد الزواج، و2-يسري على الطلاق والتطليق والانفصال قانون الدولة التي عقد فيها الزواج)، وكانت هذه المادة وقبل تعديلها تنص على أنه يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار الشخصية، والآثار المتعلقة بالمال التي يرتبها عقد الزواج. 2-أما الطلاق فيسري عليه قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت الطلاق ويسري على التطليق والانفصال قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت رفع الدعوى.
والحق أقول، فإن المواد المعدلة هي التي تليق بإمارات العدالة، إمارات المساواة بين الجنسين، إمارات المريخ، إمارات الرحمة، إمارات المبادئ الواضحة، نعم، فلا يليق بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تعتبر في مصاف دول العالم الأول، أن يكون من بين قوانينها مواد تفرق بين الجنسين صراحةً، حيث كانت المادة ( 13 ) من قانون المعاملات المدنية تقدم قانون الزوج على الزوجة، ولكن بعد التعديل الأخير فقد ساوت بينهما حين قررت كما مر أعلاه في نص المادة ( 13 ) المعدلة بين الجنسين، واعتبرت قانون الدولة التي تم فيها الزواج، وهي خطوة تحتسب للدولة في المحافل الدولية، والملاحظ على التعديل المذكور أن المادة ( 13) المشار إليها قد نصت صراحةً على أنه ( يسري)، أي أن القانون الأجنبي وهو قانون الدولة التي عقد فيها الزواج، يجب تقديمه وتطبيقه على القانون الوطني، خلافاً لنص المادة ( 1 ) من قانون الأحوال الشخصية والتي كانت تقدم القانون الوطني على القانون الأجنبي إلاّ إذا طلب أحد أطراف الدعوى تطبيق قانونه الأجنبي فيجيز حينئذٍ تطبيق القانون الأجنبي، بما يعني بأن الأولوية - بعد التعديل - للقانون الأجنبي على القانون الوطني، وفي حال لم يوجد القانون الأجنبي، وتعذر الوصول إليه يكون القانون الوطني قابلاً للتطبيق.
استقرار نفسي
ويضع المحامي سعيد الطاهر اليد على إيجابية كبيرة من تطبيق القانون الأجنبي لطرفي النزاع في مسائل الأحوال الشخصية، تتركز في حل المسائل القانونية التي تواجهها محاكم الدولة في حالة أراد أحد طرفي الخصومة تطبيق قانون بلده داخل الدولة، والطرف الآخر أراد تطبيق قانون الدولة على الخصومة القائمة بينهما، جراء عدم ثبات المراكز القانونية للأطراف، حيث إذا أقيمت دعوتين للأطراف ذاتها، الأولى داخل الدولة، والأخرى خارجها، وصدر حكميْن قضائييْن مختلفين لموضوع الخصومة ذاته، تنشأ بذلك مراكز قانونية مختلفة لأطراف الدعوى، ما يؤدي إلى استمرار الخلافات وتعقيدها، وكذلك في مواضيع الوصية، حيث قد يرى الأجنبي أن قانون بلده في هذا الخصوص هو الأصلح له، وخاصة إذا كانت جميع أمواله داخل الدولة، الأمر الذي سيسهل تنفيذ الوصية فيها، بما يحقق ديمومة الاستقرار للأسرة.
وقال: أجاز المشرع الإماراتي لغير المواطنين تطبيق قانون بلادهم في قضايا«الأحوال الشخصية»، مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، والنظام العام، والآداب العامة بالدولة، التي تعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، توافدوا إليها للبحث عن فرص العيش الكريم، والاستقرار المادي، والمعنوي، والانطلاق في عالم المال، والأعمال، وفيها وجد المستثمر الأجنبي، والموظف المغترب، والطبيب الزائر، واللاعب المحترف، والممثل المشهور، الاستقرار الاقتصادي، والأمن والأمان، والحياة الكريمة. 
رؤية متحضرة
وباستطلاع آراء مقيمين حول رأيهم في تطبيق قوانين بلدانهم عليهم في قضايا الأحوال الشخصية، وانعكاسات ذلك عليهم، إذا كانوا يرونها في صالحهم، فقالوا الآتي:
يؤكد د. حمزة عثمان أن تعديل قانون الأحوال الشخصية في الدولة بحيث يتيح للجنسيات المختلفة تطبيق قوانين بلادها الخاصة في مسائل الأحوال الشخصية، مثل أمور الزواج، أو الطلاق، أو الميراث وغيرها، مما يتعلق بخصوصياتهم الشخصية، هي رؤية متحضرة ومتقدمة لدولة الإمارات، تمثل احترام خصوصيات الجنسيات المختلفة، وإقرار الدولة مثل هذه التعديلات يجسد احترامها لخصوصيات الجنسيات المختلفة، وكفالتها لحقوقهم، وحرياتهم، وترسيخها لقيم التسامح، والاحترام، وهذا يتفق تماماً مع الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، ونصوص القرآن، والسنة المشرفة، ومبادئ حقوق الإنسان، التي أقرتها المواثيق الدولية، وقوانين الأمم المتحدة.
خطوة فريدة
ويجزم كل من مصطفى إبراهيم وسعيد عبدالصبور أن الإمارات لم تتخذ يوماً قراراً، أو تقر تعديلاً، إلا بعد دراسة وافية، ومستفيضه لما قد يترتب عليه من إيجابيات، ومزايا، وبلا شك أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية يحقق فائدة قصوى لكل مقيم، حيث يوفر له خصوصية الاحتكام إلى قانون دولته في خلافه الأسري، مهما كانت طبيعته، وفي ذلك تأكيد لمبدأ التسامح، الذي أضحى شعار دولة الإنسانية، والود، التي تحتضن الجميع بالود ذاته، وبتساو في الحقوق، دون إثقال، أو تميز، أو ترجيح كفة أحد دون آخر.
ويقول محمد الأمين سعد: لا يختلف اثنان حول المكانة التي باتت تحتلها الإمارات العربية المتحدة في مقدمة دول العالم، التي تجمع بين خصائص الدولة الوطنية، المتمسكة بجذورها، وهويتها، وموروثها الحضاري، والوجهة العالمية التي تتسع لأبناء الشعوب والأمم كافة من جميع الجنسيات، والثقافات والمعتقدات، والمنابت الحضارية، من خلال احتضانها للعديد من الجاليات، والجنسيات الأجنبية المقيمين على أرضها.
نموذج غير مسبوق
تلفت ساره عثمان دياب إلى التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية تستكمل منظومة متفردة من التشريعات، والقوانين التي أثبتت من خلالها الدولة موقعها كدولة رائدة، وقوة عالمية، تقدم نموذجاً فريداً، ملهماً للتعايش بين سائر الجنسيات، والثقافات والجاليات التي تحتضنها الدولة، والتي تعد بجدارة بيئة مثالية للحياة والعيش، وملاذاً آمناً لكل من ينشدون العيش المريح، والحياة الطيبة المسالمة، بعيداً عن التوترات، والمنغصات، التي تنتج عن التنافر، والكراهية بين البشر، فيما لا شك أن تمكين أبناء الجاليات المختلفة من الاستناد إلى بيئاتهم الحضارية، والثقافية، وقوانين دولهم، في إدارة العلاقات بينهم، وحل النزاعات الأسرية، وفق مرجعياتهم القانونية.

بـدر خميـس: لتطبيـق قـانـون «أجنبـي» شـروط وأحكـام

قال المحامي بدر عبدالله خميس من المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية، إن لتطبيق قانون «أجنبي» في دعاوى الأحوال الشخصية شروطاً وأحكاماً، لكنه جاء احتراماً لفكرة أنه يعيش على أرض دولة الإمارات العديد من الجنسيات باعتبارها مقصداً رئيسياً ووجهة مستحبه للقادمين من جميع أنحاء العالم بهدف العمل والإقامة، وفي ظل هذا التنوع الذي يميزها تنظر محاكم الأحوال الشخصية كثيراً من القضايا التي تتعلق برعايا هذه الدول المختلفة مثل دعاوى الطلاق والحضانة والنفقة والرؤية والميراث، وغيرها.
وهنا يثور التساؤل القانوني: هل يجوز للشخص الأجنبي التمسك بتطبيق قانون بلاده في دعاوى الأحوال الشخصية؟ ما هي شروط ذلك؟ 
يقول المحامي خميس: بداية نوضح أن المشرع الإماراتي قد أخذ بمبدأ إقليمية قانون الأحوال الشخصية، بمعنى أنه يسري على غير المواطنين المقيمين في الدولة ما لم يتمسك أحدهم بتطبيق قانون بلاده، حيث نص قانون الأحوال الشخصية الاتحادي رقم (28) لسنة 2005 في المادة الأولى فقرة (2) منه على: (..كما تسري أحكامه على غير المواطنين ما لم يتمسك أحدهم بتطبيق قانونه).
وبالرجوع إلى تطبيقات المادة سالفة الذكر، وما ورد في مذكرتها الإيضاحية نجد أن قانون الأحوال الشخصية الإماراتي قد أجاز لغير المواطنين التمسك بتطبيق قانون بلادهم في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية القطعية والنظام العام، والآداب العامة في الدولة.وهنا يجب على الطالب إثبات القانون الأجنبي واجب التطبيق وتقديمه إلى محكمة الموضوع، إذ إن المقرر أن القانون الأجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية يجب على المتمسك به إقامة الدليل عليه.
كما يجب تقديم القانون المطلوب تطبيقه مصدقاً حسب الأصول من الجهات الرسمية ذات الاختصاص مع الترجمة القانونية للغة العربية باعتبارها لغة المحاكم، إذا كان القانون الأجنبي محرراً بغير العربية.
ونشير في هذا الصدد إلى أن القانون قد اشترط اتحاد جنسية طرفي التقاضي، حيث إنه حال اختلاف الجنسيات أو تعددها يطبق قانون الدولة عملاً بموجبات نص المادة (24) من قانون المعاملات المدنية، كما يجب على الخصم الذي يرغب في التمسك بتطبيق قانون بلده أن يثير ذلك أمام محكمة أول درجة، حيث إنه لا يجوز إثارة هذه الدفع والتمسك به لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، ولا يجوز للخصم أن يقوم برفع دعوى جديدة يطالب فيها بتطبيق قانون بلده في ذات موضوع دعوى سبق أن صدر فيها حكم قضائي طالما كان بإمكانه التمسك بتطبيق قانونه الأجنبي من قبل، مراعاة لاستقرار الأوضاع القانونية.
خلاصة القول، نعم يمكن للشخص الأجنبي التمسك بتطبيق قانون بلده في مسائل الأحوال الشخصية شريطة اتحاد الجنسية، وتقديم القانون الواجب التطبيق إلى محكمة الموضوع ابتداء مصدقاً من الجهات المختصة مترجماً للغة العربية أصولاً، إذا كان محرراً بغير العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"