حتى لا تدخل المنطقة في نفق جديد

05:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

استبدل ناطق باسم الخارجية الإيرانية هو رامين مهما نبرست عبارة زوال إسرائيل التي طالما وردت على ألسنة مسؤولين إيرانيين، بعبارة زوال البحرين (صحف الجمعة 18 مايو/ أيار) . وقد جاء تصريحه في معرض تعليقات إيرانية متكررة، مناوئة لنوايا اتحادية بين مملكتي البحرين والسعودية . الاستفزاز الذي تحمله العبارة المستجدة لا يحتاج إلى بيان، ومن المفارقة أن العبارة وردت على لسان ناطق باسم بيت الدبلوماسية وليس باسم أية هيئة رسمية أخرى .

من شأن تصريح كهذا تسميم العلاقات بين البلدين الجارين، والتأثير سلباً في علاقات طهران بدول مجلس التعاون الست ولاحقاً بالعالم العربي . وبينما كانت الأنظار تتطلع إلى مبادرات لتحسين العلاقات، أو على الأقل تلطيف الأجواء بين طهران والمنامة، إذا بهذا التصريح يضيف مزيداً من التأزيم على علاقات البلدين، لا سيما أنه لم يأت رداً أو تعقيباً على إجراء ما قد يتضرر منه البلد الذي ينتمي إليه صاحب التصريح، بل جاء تعقيباً على خطوة سيادية لدولة مستقلة هي مملكة البحرين، وتتعلق بنوايا اتحادية بين بلدين تضمهما الجامعة العربية، وينضويان في إطار مجلس التعاون الخليجي، ويجمعهما تاريخ مشترك وحدود مشتركة .

واقع الأمر أن النوايا الاتحادية التي مازالت نوايا، ليست بالأمر المفاجئ بين الرياض والمنامة، فالعلاقة بين العاصمتين وثيقة للغاية منذ عقود من الزمن، رغم بعض اختلاف في طبيعة النظام السياسي هنا وهناك، وقد حافظت الدولتان على نمو النظام السياسي في كل منهما، وعلى مساره الداخلي الخاص به، رغم التقارب الوثيق بينهما، والجسر الذي يربط البلدين هو من أوضح الشواهد الرمزية على متانة العلاقة التي تجمع البلدين والشعبين . ومع ذلك تتصرف طهران باعتبارها متفاجئة بهذا الواقع، ثم رافضة له، وهو نهج غير مسبوق بالتدخل الفظ في شأن داخلي لبلد آخر . ويمُسّ هذا التدخل دول الجوار الخليجية مجتمعة، التي يضمها تكتل إقليمي واحد يسير حُكماً لى طريق الاتحاد على غرار السابقة الأوروبية .

ويسترعي الانتباه أن هذا التصعيد ضد المنامة، يأتي بعد أسابيع من زيارة قام بها الرئيس الإيراني إلى جزيرة أبو موسى الإماراتية، وقد أثارت الزيارة موجة من التنديد، باعتبارها تشكل تقويضاً للجهود السياسية لمعالجة أزمة الجزر الإماراتية الثلاث، وتحدياً غير مقبول لحقوق دولة الإمارات، وها هي طهران تمضي على طريق التصعيد ضد المنامة وضد مجلس التعاون، إلى درجة يتم معها شحن الشارع الإيراني، ومحاولة تعبئته ضد أي خطوات اتحادية بين دول الخليج لا بين المنامة والرياض فحسب! وهو أمر يستعصي على الفهم والتبرير، في ضوء القواعد التي تحكم العلاقات الدولية (بين الدول) . فلدولة ما أن تراجع علاقتها مع دولة أخرى وتتخذ الإجراءات المناسبة والمعهودة من المخاطبات الدبلوماسية إلى خفض مستوى العلاقات مثلاً، أما أن تبيح ل نفسها التدخل في قرارات سيادية لدولة أخرى، وتنتقل من ذلك إلى تجريب سياسة الإملاء، فذلك يندرج في إطار سياسة عدائية غير مبررة، تقامر بمصالح الشعوب إذ تهدد أوجه التبادل والتعاون والمنافع المشتركة، التي تربط إيران بجاراتها في الخليج منذ عقود طويلة، علاوة على تهديد أمن واستقرار المنطقة . . بصورة مجانية لا طائل منها .

لقد سبق للنظام السابق في العراق أن قام بتهديد دولة جارة مستقلة هي الكويت، وأطلق حملة هذيانية حول ما أسماه المحافظة التاسعة عشرة، وهو ما شكّل لاحقاً عبثاً خطراً بحقوق ومصالح الدول والشعوب، وقد وقفت حينها طهران موقفاً مسؤولاً ورفضت مثل هذه التدخلات والادعاءات، وساندت سيادة واستقلال جميع دول المنطقة بما فيها الكويت العضو في مجلس التعاون الخليجي، واعتبرت أن هذه المزاعم تستدرج التدخلات الأجنبية وتبدد طاقات وثروات الشعوب، وها هي طهران على ألسنة بعض مسؤوليها تكاد تنزلق إلى ارتكاب الخطيئة ذاتها، عبر التعريض بسيادة واستقلال دولة جارة هي مملكة البحرين، وذلك بعد أن اكتشف مسؤولون في طهران أن المنامة تحرص كبقية عواصم المنطقة، على توطيد علاقاتها ب العائلة الخليجية التي تنتمي إليها! . وهو ما تقول طهران إنه لا يروق لها .

ولو أن كل دولة في العالم لا تروقها سياسات دول أخرى، تلجأ إلى التعبير عن موقفها هذا على طريقة بعض المسؤولين الإيرانيين في العام ،2012 لتحول العالم إلى ما يشبه شريعة الغاب .

ثمة أسباب ودوافع يعزى إليها هذا الموقف، منها المنافسات بين المحافظين الحاكمين في طهران فيلجأ بعضهم إلى مزايدات تهدد دولاً أخرى لتحسين موقعه الداخلي، ومنها محاولة تعبئة الشارع على قضايا خارجية مفتعلة لحرف الأنظار عن مصاعب اقتصادية واجتماعية داخلية، ومنها الأزمة المفتوحة مع الغرب والتي تشمل حتى روسيا بخصوص الملف النووي الإيراني، ومحاولة مقايضة استقرار دول المنطقة برفع القيود الدولية عن الطموحات النووية . . ومن الواضح أن هذه العوامل وأية دوافع أخرى محتملة، لا تسوّغ الانزلاق نحو التوتير الإقليمي، والعبث الخطر بأمن المنطقة فمن مصلحة الجميع الإفادة من دروس الماضي والتطلع إلى مستقبل مشرق يسوده التعاون المثمر والاحترام المتبادل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"