المستقبل صار حاضراً

01:41 صباحا
قراءة دقيقتين

حين جاءنا التطوير مستعجلاً الخطى، يشدّنا نحو شكل جديد للحياة يعتمد على الإلكترونيات، والذكاء الاصطناعي، والعالم الافتراضي، ومن كثرة استعجاله ولهاثنا خلفه، أطلقنا على زمننا هذا اسم «عصر السرعة». لم نلب النداء سريعاً، بل أصررنا، إلى حد ما، على التمسك بكل ما هو تقليدي، وتأمّلنا بحذر شكل المستقبل الآتي، حيث الكلمة الأولى للآلة والروبوت، وخفنا على اليد العاملة من تقلص الفرص أمامها.. لم ندرك وقتها أنه سيأتينا ما هو أكثر استعجالاً ليدفعنا فجأة، وبقوة، في قلب العالم الافتراضي، ويفرض علينا سرعة الاستجابة، واستبدال الأوراق، وتطوير المهارات. لم نعرف أن وباءً خفياً سيرسم شكل هذا المستقبل ويستعجل خطانا أكثر وأكثر، ويضعنا فجأة أمام الأمر الواقع، ويصير الافتراضي واقعنا، والآلة وسيلتنا، ومن يعجز عن تطوير نفسه وأدواته سريعاً، يصبح خارج الزمن، ولا مكان له.
«كورونا» دفعنا نحو التطوير الإلزامي، ولم يعد هناك أي مجال للعودة إلى الوراء، أو غضّ الطرف عن متطلبات الحياة بشكلها الجديد. ولم يعد التعامل مع الآلة والإلكترونيات بكل أشكالها والعالم الرقمي مجرد رفاهية، أو خيار يمكن الاستغناء عنه، و«المستقبل» الذي كنا نتحدث عنه بصيغة الآتي لاحقاً، صار هو الحاضر الذي لا بد من استيعابه، والتأقلم معه وتطوير الذات وفق شروطه ومتطلباته.
الجائحة غيّرت الكثير، وصار المستقبل بين أيدينا، فكيف نتعامل معه؟ في الإمارات تفاعلت جهات حكومية وخاصة مع الواقع الجديد بحرفية، فغيّرت قائمة الشروط الوظيفية، ورسمت خريطة للدورات التدريبية التي تهدف إلى تقييم مستوى أداء موظفيها.
لم يعد هناك مكان لموظف لا يجيد التعامل مع الخدمات الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، حتى التعليم، لن يعود إلى الوراء، ولن يتوقف عند حدود «السبورة الذكية»، فالتعليم «عن بُعد» هو المنقذ في زمن الجائحة، وسيستمر من وسائل التعليم الأساسية، وستتسع شبكة التعليم لتصل بين أطراف العالم كله، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ويتيح للجميع التعلم والتواصل إلكترونياً.
كل المهن تواكب العالم الذكي، وكل الوظائف تخضع، أو ستخضع لمعايير هذا العالم، والذكي من يجيد قراءة المرحلة وتطوير أدواته سريعاً كي يضمن لنفسه مكاناً، ووظيفة وترقيات تليق به، وبأحلامه، خصوصاً أن ٤٠٪؜ من الاشتراطات الحديثة في تقييم مستوى الموظف تعتمد على مدى تجاوبه مع التقنيات والخدمات الرقمية وإتقانه لها. بلا شك، ستترك التكنولوجيا الرقمية أثراً في كثير من القطاعات، وستلغي بعض الوظائف، لكنها تفتح أبواباً أخرى لوظائف جديدة تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لن يدخلها إلا من يجيد التعامل معها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"