فرصة لتحسين الصورة

03:36 صباحا
قراءة 4 دقائق

لا شك أن هناك فارقاً كبيراً بين الزيارة التي سيؤديها رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبين زيارات سابقة أداها لهذا الغرض سلفه محمود أحمدي نجاد . الأنظار تتطلع إلى الرئيس الإيراني الجديد بمزيج من الفضول والتفاؤل والحذر، فيما كان نجاد يتبادل قبل وصوله وبعد مغادرته مشاعر العداء مع مستقبليه ومودعيه الأمريكيين ومن هم حول هؤلاء .

يأتي روحاني كممثل بارز لاتجاه معتدل في نظام بلاده، حتى وإن لم يُمتحن هذا الاعتدال بصورة كافية . فقد سبق له أن أعلن في حملاته الانتخابية استعداده للحوار مع جميع دول العالم . مع الغرب بالذات، وعربياً وإسلامياً مع المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص . يريد الرجل من زيارته هذه إلى مقر المنظمة الدولية والمشاركة في أعمالها تدشين نهجه الحواري . وقد استبق ذلك بإعلان الإفراج عن 12 شخصية من أبرز وجوه الإصلاحيين في إيران بينهم نساء، ممن اعتقلوا بغير أسباب تذكر ومن دون الخضوع لقرار قضائي مسبق، ومن بين هؤلاء مهدي كروبي ومير موسوي، وكان المؤمل من عهد روحاني الإفراج عن هؤلاء لأسباب لا تتعلق بالعلاقات بالغرب، غير أن اتخاذ هذا الإجراء بصرف النظر عن ظروفه وبعد وقت قصير على تولي روحاني مقاليد الحكم، يشكل خطوة إيجابية تستحق استكمالها، باستعادة المفرج عنهم لكامل حقوقهم المدنية كمواطنين أحرار .

الإشارات الإيجابية المتكررة التي أطلقها روحاني بخصوص العلاقات مع الغرب، لاقت تجاوباً نسبياً لدى الإدارة الأمريكية التي لم تستبعد، أو لم تنف إمكانية عقد لقاء على هامش أعمال الجمعية العامة بين أوباما وروحاني . علماً أن كلا الرجلين يبدوان من معسكر الحمائم في بلد كل منهما . بالنسبة لروحاني بالذات فقد دعا إلى اغتنام الفرصة التي قدمتها الانتخابات الإيرانية الأخيرة . أحُث على الاستفادة القصوى من المشاركة الحكيمة التي أولاني إياها شعبي والاستجابة بصدق لجهود حكومتي من أجل حوار بناء كما اختتم مقاله في واشنطن بوست الأمريكية: إنها فرصة سانحة تقتضي الاستفادة القصوى منها، يقول روحاني بعبارات صريحة، ومغزاها انه ليس هناك بين السياسيين في بلاده، الكثير ممن يحملون توجهاته أو يتمتعون بعزيمته . ولعل الرجل قد نسي في غمرة حماسته، الشخصيات الاثني عشر الذين تم إطلاق سراحهم مؤخراً وكان له فضل في استعادتهم للحرية . وبعيداً عن هؤلاء فقد سبق لإصلاحي هو محمد خاتمي (1999/2005) أن تقلد المنصب الذي يتولاه الآن روحاني ولولايتين متتاليتين . مع ذلك يمكن التذكير بأنه كان هناك حينذاك صقور في واشنطن يمثلهم جورج بوش الابن، من دون التقليل من أثر الصلاحيات المقيدة لموقع الرئاسة في النظام السياسي الإيراني .

هذا كله بما يتعلق بالأجواء وبالظروف المحيطة التي تُسهل زيارة روحاني إلى نيويورك كما لم يسبق لرئيس إيراني منذ قيام الجمهورية الإسلامية منذ 34 عاماً . أما في واقع السياسة الفعلية فإن مداولات شاقة أمريكية -إيرانية تنتظر أي بحث في ملف إيران النووي رغم تأكيد روحاني في مقاله على سلمية هذا الملف . يُذكر في هذا الصدد أن بنيامين نتنياهو يحمل ملفاً يتضمن مطالب تفصيلية ومحددة بخصوص هذا الملف سيعرضه على أوباما يوم الثلاثين من الجاري . وبهذا فإن طهران ستكون مدعوة ل التفاوض وعلى الأرض الأمريكية مع واشنطن ووراء هذه تقف تل أبيب . . النووية . وهذا هو واقع السياسة الدولية راهناً الذي لا تنقصه ازدواجية المعايير بل تعدد هذه المعايير . وإيران التي تبدو هنا تنوء تحت الضغط السياسي والإعلامي والاقتصادي الأمريكي والغربي (العقوبات المفروضة عليها)، هي نفسها التي لا ترسل رسائل اطمئنان إلى محيطها في الخليج والعالم العربي، والتي تبدو في أنظار كثيرين في المنطقة أنها معنية في المقام الأول بتوسيع نفوذها في المنطقة من وراء ظهر الدول والشعوب، وهذا شاهد آخر ومعاكس على ازدواجية المعايير .

والراجح أن روحاني بشخصيته التي تثير الارتياح، سوف يحقق اختراقاً لمصلحة تحسين الصورة الإيرانية، وسوف يبدو بشخصه رجل حوار، ومشروع صديق من موقع الاختلاف، ورجل تفاوض علماً أنه يتمتع بخبرة تفاوضية متراكمة، إذ كان لسنوات في عداد أبرز المفاوضين مع الغرب بخصوص الملف النووي . الفرق الآن أنه شريك بحدود تضيق أو تتسع في صنع سياسات بلاده، وذلك وفقاً لما يرتئيه المرجع علي خامئني الذي تتمركز في يده السلطات الفعلية . والبادي حتى الآن أن هناك توجهاً لتغيير الصورة التي رسمها الرئيس السابق المتشدد نجاد لإيران في أذهان كثيرين، والتي اتسمت بانقطاع الحوار مع عموم الغرب، وأجزاء أخرى من العالم بعضها ضمن العالم الإسلامي، وهي مسألة طالما ركّز عليها روحاني في حملته الانتخابية، وتشكل التحدي الخارجي الأول الذي ينتظر الرجل .

وبما أن العالم المترامي الأطراف بات وحدة متكاملة، فإن قدراً كبيراً من النجاح أو الإخفاق في تطلعات إيران سيكون مرهوناً بانتهاج سياسة تحمل على الاطمئنان في المنطقة، فالاعتراض على النفوذ الغربي في منطقتنا، ينبغي ألاّ يتمظهر من طرف إيران بصيغة التنافس مع هذا الغرب على بسط النفوذ، بل بتمكين الدول والشعوب من التمتع باستقلالها وحريتها . ويصدق ذلك على الموقف الإيراني من الوضع السوري، فإذا كان التدخل الخارجي مرفوضاً فإن هذا التدخل غير المرغوب فيه، ينبغي أن يشمل سائر الأطراف المتدخلة قريبها وبعيدها، دولاً ومنظمات وفرقاً وجماعات، وأن يكون البديل الصالح هو وقف الحرب الجهنمية والكف عن تقديس القوة واستعراضها، وهو ما جعل نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل في تصريحات أخيرة له، ينعى الاحتكام إلى العنف .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"