تربصات رمضانية

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

للعام الثاني على التوالي، يفد إلينا شهر رمضان الكريم في ظروف صحية عالمية لا تحسد، ولا تسر عدواً أو صديقاً، ولا بعيداً أو قريباً؛ فما زالت جائحة كورونا تقف بالمرصاد للعناصر البشرية، لا سيما في التجمعات السُّكّانية، الاجتماعية كانت أم التجارية أم المناسباتية المختلفة. فمنذ عهدنا الأول بها في رمضان الفائت، حيث جاءت من حيث لا نعلم، وأقبلت بكل ثقلها بما لا نحلم، غير مرحب بها، وغير مأمون جانبها، إذ حصدت من الأرواح ما لم يخطر على بال بشر، غير آبهة بسنّ وجنس ولون ولغة ودين، وليس في عرفها الاستكانة أو المهادنة أو الجلوس إلى طاولة الحوار مع بني البشر أو إعطائهم فرصة استرداد الأنفاس لأجل اتقاء ما يمكن أن ينجم عنها من نار نادرة الوجود والوجوه، تأكل الأخضر قبل اليابس، وتفتك بكل من يتهاون في الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي تفرضها الدول على شعوبها والمقيمين على أرضها والزائرين إليها.
لذا؛ يجيء رمضان، وتجيء معه الرغبة المجتمعية بممارسات الطقوس الدينية الإسلامية، من صلوات وتلاوات للقرآن؛ وطقوس اجتماعية من تجمعات رمضانية أهلية آهلة بمختلف الروابط، من علاقات أُسَريّة ذات صلة الرحم والنسب والصداقات والزمالات المختلفة والمتنوعة؛ والطقوس الثقافية من فعاليات وأمسيات، والممارسات الرياضية الجمعية؛ هكذا يجيء رمضان بكل طقوسه المعتادة منذ سنين، وهكذا يجب على الجميع أخذ الحيطة والحذر من الانسياق وراء الرغبات إزاء الممارسات المجتمعية المتوارثة دون الالتزام بالإجراءات الاحترازية الرامية إلى حماية المجتمع بكل تفاصيله وعناصره من الوقوع في شَرَك الجائحة الكورونية «كوفيد – 19»، التي تأخذ بالتربص بالبشر في أرجاء المعمورة العالمية، دون إذن مسبق منها، ودون جرس إنذار أو تنبيه بأنها قادمة في التو واللحظة، كي يأخذ الجميع حذرهم، والاستعداد لمواجهتها بكل ما يمكنهم فعله إزاء كبح جماحها والقضاء عليها.
هكذا هي جائحة كورونا؛ بكل غموضها، وغلظة مشاعرها، وقانون وجودها بين جموع البشر؛ متربصة بكل من هو ضعيف أمام سلطتها الفيروسية، ولا حيلة له في إدارة النزاع القائم بينه وبينها.
إلا أن فئة رمضانية أخرى تأخذ بالتربص بالبشر في هذا الشهر الفضيل الكريم، هم زمرة بشرية تبشر بوجودها ووجودها بين الناس منذ ما قبل شهر رمضان، وفي رمضان تتضح ملامحهم بصورة أدق وأكثر شراسة، وبطرق عديدة الوجوه ومتعددة الوجود والجوانب، مستهدفة الجيوب والبيوت، ومستغلة طيبة الناس وعاطفة قلويهم المعلقة بحب الخير والجود والكرم؛ إنهم المتسولون المتسللون إلى القلوب قبل الدروب، بهدف ابتزاز الأموال بكافة أشكالها وصورها، المادية والعينية والغذائية وغيرها مما لدى الناس من خيرات.
إذن؛ هكذا جنس بشري يتطلب الاحتراس منه ومن حبال حِيَله، مما هو متعارف عليه، أو مما هو جديد مبتكر، يصل إلى مبتغاه بلمحة عين، وبغفلة من الناس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"