عادي

عذب الكلام

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربية، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطبُ العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكرِ المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

التفويفُ في البلاغةِ: أن يأتيَ المتكلّمُ بمعانٍ متلائمةٍ في جُملٍ مُستويةِ المِقدارِ أو مُقاربةٍ من قولهم «ثوبٌ مفوّفٌ» للّذي على لونٍ وفيهِ خطوطٌ بيضٌ، كقولِ النّامي:

يسربلُ وشياً من خُزوز تطرّزتْ

مطارفُها طرزاً منَ البرق كالتّبرِ

فوشيٌ بلا رَقْمٍ ونَقْشٌ بلا يدٍ

ودَمْعٌ بلا عَيْنٍ وضِحْكٌ بلا ثَغْرِ

وقولُ عنترةَ:

إنْ يَلحقوا أكْرُرْ وإنْ يَستلحموا

أشْدُدْ وإنْ نزلوا بضنكٍ أنزلِ

درر النظم والنّثر

«دمعةٌ على المغرِّد الصَّامت»

مي زيادة

طائرٌ صغير، نَسجَتْ أشِعَّةُ الشَّمسِ ذَهَبَ جناحَيْه، وانْحَنَى اللَّيلُ علَيْه، فتَركَ مِن سَوادِه قُبْلةً في عَيْنَيْه. ثُمَّ سَقطَتْ علَيْه يدُ البَشَر، فضَيَّقَتْ دائرةَ فَضائِه، وسَجَنَتْه في قَفَصٍ؛ كانَ عُشّه في حياتِه، ونَعْشه في مماتِه. طائرٌ صغيرٌ، أحْبَبْتُه شُهوراً طِوالاً، غرَّدَ لكآبتِي فأطْرَبَها، وناجَى وَحْشَتِي فآنَسَها، وغنَّى لقلبِي فأرْقَصَه، ونادَمَ وَحْدتِي فملأَها ألحاناً.

امتزجَ ذِكْرُه بحياتِي، فحَلَّ عِنْدِي مَحَلَّ صديقٍ لا تَصِلُني به اللُّغة، ولا يُقرِّبُه منِّي التَّفاهمُ الرُّوحيُّ، بلْ يُعزِّزُه إليَّ حُضُورُه الدَّائمُ وإنْ لمْ يُبالِ هو بحُضُورِي، وصوتُه الرَّخِيمُ وإنْ لمْ يُغرِّدْ إلَّا لأنَّ التَّغريدَ مِن طَبْعِه، وسُرُورُه الَّذي لا يَعرِفُ الكَآبة، واصْطِبارُه على ضِيقِ الفضاء، وقَناعتُه بما قُدِّرَ له منَ النُّورِ والهواء.

لمَّا أبكَتْني الآلامُ أرَيْتُه مِنْدِيلي مُبَلَّلاً بالدُّموع؛ فأعْرَضَ عنِّي! إنَّما تَسْتَدِرُّ الدُّموعَ ظُلْمةُ الأحزان؛ كما يَسْتَدِرُّ النَّدى ظلامُ اللَّيل، ورُوحُ الأطيارِ شُعاعٌ مُغَرِّد، فكيفَ يتفهَّمُ النُّورُ الظَّلام؟!

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ الشِّدَّةِ مِنْ اَشْيَاءَ وأفْعَال مُخْتَلِفَةٍ:

الأُوَارُ: شِدَّةُ حَرِّ الشَّمْسِ. الوَدِيقَةُ: شِدَّةُ الحَرِّ. الصِّرُّ: شِدَّةُ البَرْدِ. الانْهِلالُ: شِدَّةُ صَوْب المَطَرِ. الغَيْهَبُ: شِدَّةُ سَوَادِ اللَّيْل. الَقشْمُ: شِدَّةُ الأكْلِ. القَحْفُ: شِدَّة الشُّرْبِ. التَّسْبِيخُ: شِدَّةُ النَّوْم. الخَفَرُ: شِدَّةُ الحَيَاءِ. السُّعَارُ: شِدَّةُ الجُوعِ. الصَّدَى: شِدَّةُ العَطَشِ. اللَّخْفُ: شِدَّةُ الضَّرْب. المَحْكُ: شِدَّةُ اللِّجَاجِ. الهَدُّ: شِدَّةُ الهَدْم. القَحْلُ: شِدَّةُ اليُبْسِ. المَأَقُ: شِدًّةُ البكَاءِ. الرُّزَاحُ: شِدَّةُ الهُزَال. الصَّلْقُ: شِدَّةُ الصِّيَاحِ. الشَّنَف: شِدَّةُ البُغْضِ. الشَّذَا: شِدَّةُ ذَكاءِ الرِّيحِ. القَرْضَبَةُ: شِدَّةُ القَطْعِ. الوَصَبُ: شِدَّةُ الوَجَعِ. الخَبْزُ: شِدَةُ السَّوْقِ. الهَلَعُ: شِدَّةُ الجَزَعِ. اللَّدَدُ: شِدَّةُ الخُصُومَةِ. البَثُّ: شِدَّةُ الحُزْنِ. النَّصَب: شِدَّةُ التَّعَب. الحَسْرَةُ شِدَةُ الندًّامَةِ.

هفوة وتصويب

كثرٌ يقولــــون «تطرَّقَ المجتعون إلــــى موضوعات مختلفة». وهي خطأ، والصواب «بحث المجتمعون..»، لأن تَطَرَّقَ إِلَيْهِ: سَارَ حَتَّى أَتَاهُ. وتَطَرَّقَ الشَّكُّ إِلىَ نَفْسِهِ: دَاخَلَهُ وتَطَرَّقَ إِليه: ابتغَى إِليه طريقاً. وتَطَرَّقَ: توسَّلَ. وتطرَّق اليأسُ إلى نفسه: تسلَّل؛ يقول ابن زيدون:

أنا حِينَ أُطْرِقُ لَيسَ يَفْتأُ طارِقي

شَوْقٌ كَما طَرَقَ السّليمَ عِدادُ

يقول بعضُهم «هذا الأمر ممّا يؤسف له»، والصحيح «مما يؤسف عليه»، لأن: الْأَسَفُ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْحُزْنِ وَالْغَضَبِ، وَأَسِفَ أَسَفاً، فَهُوَ أَسِفٌ وَأَسْفَانُ وَآسِفٌ.

وَقَدْ أَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ وَتَأَسَّفَ أَيْ تَلَهَّفَ، وَأَسِفَ عَلَيْهِ أَسَفاً أَيْ غَضِبَ.

فالأسف يكون على أمرٍ ما، وليس له؛ يقول أبو نواس:

غيرُ مأسوفٍ على زَمَنٍ

ينْقضي بالهَمّ والحَزَنِ

من أمثال العرب

ومَا الحُسْنُ في وَجْهِ الفتى شَرَفاً لَهُ

إذا لم يكُنْ في فِعْلِهِ وَالخَلائِقِ

وجائِزَةٌ دَعوى المَحَبَّةِ والهَوى

وإِنْ كانَ لا يَخْفى كـــــَلامُ المُنافـِقِ

البيتان لأبي الطيّب: و«الخلائق» كالشمائل: الخِصال أي الأخلاقُ؛ يقولُ: إذا لَمْ تَكُنْ أفعالُ الإنسانِ وأخلاقُهُ حَسَنةً جميلةً، فليسَ حُسْنُ وَجْهِهِ شَرفاً له. يحثُّ على ضرورة التحلّي بالأخلاقِ والقِيمِ، فهما الأبقى، لأنّ الشكلَ الحسنَ، يبهُتُ مع تقادم الزّمن. وكذلكَ الكلامُ الجميلُ، إذا لم يكن صادقاً، فلا قيمةَ له.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"