الماء ثروة الحياة فماذا عملنا لضمان تدفقه؟

03:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. يوسف مكي
يرجع كثير من المؤرخين، أهمية هذه المنطقة، والدور الذي أنيط بها، منذ بداية التاريخ، لوجود وادي النيل، الذي تشكل هضبتا البحيرات الاستوائية، والحبشة، الخزان الطبيعي له. ويمر بالسودان ومصر، حيث يمنحهما الزرع والحياة. وإلى وجود نهر دجلة، وينبع من مرتفعات جنوب شرق تركيا. ونهر الفرات، وينبع من هضبة الأناضول في تركيا. كما توجد أنهر أخرى، أقل شأناً، كأنهر الليطاني والحاصباني والأردن.
وفي العصر الحديث، تصاعدت أهمية الثروة المائية، وتصاعد الصراع، بين الدول المجاورة، من أجل السيطرة عليها. ويكفي الإشارة إلى حرب السويس عام 1956، التي كانت في الأساس رداً على قيام مصر بتأميم قناة السويس، الممر المائي الدولي، والذي كان في ذاته محاولة مصرية، لتأمين عملة صعبة، لبناء سد أسوان، لتخزين المياه، وتجنب فيضان نهر النيل. كما كان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، كياناً ممثلاً للفلسطينيين، رداً عربياً على محاولات الكيان الصهيوني، في بداية الستينات من القرن المنصرم، تحويل مياه نهر الأردن.
ويتمحور الصراع الآن بين تركيا من جهة، وسوريا والعراق من جهة أخرى، جراء محاولة الأتراك بناء سدود، مائية كبرى، كسد أتاتورك، بما يمكنها من الاستيلاء على الثروة المائية العربية، بتحويل مياه نهري دجلة والفرات لتلك السدود. كما أن هناك صراعاً بين مصر وإثيوبيا، بسبب بناء سد النهضة، الذي سيؤدي إلى نقصان حصة مصر، من مياه نهر النيل.
ومنذ بداية القرن الماضي، شهدت العلاقات العراقية الإيرانية، صراعات ومنازعات، تمركزت حول أحقية الملكية والمرور الحر في شط العرب، كان آخرها حرب الخليج الأولى، التي استغرقت ثماني سنوات. وفي مؤتمر مدريد للسلام بالشرق الأوسط، الذي عقد في بداية التسعينات من القرن الماضي، كان للماء نصيب وافر، في المفاوضات المضنية بين العرب و«إسرائيل»، من أجل التوصل لتسوية سلمية للصراع بين العرب والصهاينة.
وقد نتج عن وعي أهمية الثروة المائية، في تحقيق التنمية الاقتصادية، ولطبيعة الصراع الدائر من أجل السيطرة عليها، ما يمكن أن يطلق عليه بمشكلة الأمن المائي. ومن المؤكد، أن مصدرها هو ما يحمله واقعها في معطياته الحاضرة، والمستقبلية، من تأثيرات مباشرة في الوجود العربي، شعوباً وكيانات. ذلك أن نقص المياه العذبة، يعد من معوقات التنمية المستديمة في الوطن العربي.
وإذا ما استمر هذا الوضع على حاله، وتفاقمت عملية النهب الخارجي، والاستخدام المسرف، غير المدروس، لهذه الثروة، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار، الزيادة السريعة في عدد السكان، فإن من المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد، بنسبة ٥٠٪ مع حلول عام ٢٠٢٥. وتقدر المياه القادمة من خارج الحدود العربية، عن طريق الأنهار ب٦٠ إلى ٦٧ في المئة، بما يعني عدم قدرة الأمة العربية، على ضمان تأمين تدفق المياه، إلى الأراضي العربية، في ظل ضعفها الراهن.
وأخيراً تواجه مشاريع الاستثمار خطر استمرار السياسات الإقليمية، في نهب مياه الأنهار، ما يؤدي إلى حدوث خلل مرعب في جريان مياههما.
ولا شك أن هذه المشاكل، من المعوقات الحقيقية، لتحقيق النهوض الاجتماعي والاقتصادي العربي. ولذلك فإن أية محاولة للخروج من مأزق التخلف الراهن، لا بد أن تأخذ في الاعتبار أن يكون في مقدمة مهامها، التصدي لها ووضع الحلول للتغلب عليها.
وهناك المحاولات «الإسرائيلية» المستمرة، للسيطرة على الثروة المائية العربية، إذ يستغل الكيان الصهيوني، ظروف احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة، فيقوم بتحويل حوالي ٧٠٪ من الثروة المائية في الأراضي المحتلة، لاستخداماته واستخدام المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م.
كما استغل الصهاينة الهجوم الواسع على لبنان عام ١٩٧٨م، في عملية عسكرية أطلق عليها «عملية الليطاني»، واحتلوا جزءاً من الجنوب والبقاع الغربي، حتى نهر الليطاني. وأطلق على تلك المنطقة تسمية الحزام الأمني، وتم الاستيلاء على قرابة ٨٠٠ مليون متر مكعب من مياه نهر الليطاني.
ومنذ بداية الستينات، يواصل الكيان الغاصب، سرقته لجزء كبير من مياه نهر الأردن. وتقدر الكميات التي يغتصبها من أعالي النهر ب ٦٦٠ مليون متر مكعب سنوياً، يجري تخزينها في بحيرة طبريا.
ومنذ احتلال هضبة الجولان السورية، بدأ الصهاينة في سرقة ما يقدر ب ٥٠- ٦٠ مليون متر مكعب من المياه سنوياً، من هذه الهضبة.
وتحاول الحكومة «الإسرائيلية»، استثمار نتائج اتفاقيات كامب ديفيد، للاستفادة من مياه نهر النيل، عبر اقتراح توسيع ترعة الإسماعيلية، وإيصالها إلى سيناء، ومنها إلى قطاع غزة و«إسرائيل». كما تحاول الاستفادة من المشروع التركي، المسمى بأنابيب السلام، للتزود من مياه نهر الفرات.
وتحاول أيضاً، عبر التعاون الوثيق مع إثيوبيا إنشاء مجموعة من السدود، على نهر النيل الأزرق، لري ٤٠٠ ألف هكتار، وإنتاج ٣٨ مليار كيلوواط من الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي سيؤدي بنتائجه إلى حرمان مصر، من مستحقاتها في خمسة مليارات متر مكعب من المياه، دون النظر إلى ما في ذلك من خروق للاتفاقيات التي حددت اقتسام مياه نهر النيل، بين دول حوض النيل.
وتعكس جميع هذه المعطيات حالة الضعف، في الوضع العربي الراهن. كما تشير إلى أن الأمن المائي العربي، الآن في وضع لا يحسد عليه، ما يلقي بأعباء إضافية على المعنيين بهذا الشأن من المسؤولين العرب. ولعل الخطوة الأولى، في هذا السبيل هي وعي واقع الثروة المائية العربية، من حيث مخزونها وتنوع مصادرها، وطرق استثمارها، وإيجاد الطرق العلمية، لتقنين استخدامها، بحيث يتم ضمان استمرار تدفقها، بالقدر الذي تلبي فيه حاجة الاستهلاك البشري، والإنتاج الزراعي، ومواجهة متطلبات التنمية الصناعية، من جهة، والتوازن البيئي من جهة أخرى. وتحقيق خطة عربية جماعية لمواجهة التحديات الخارجية، المتمثلة في نهب هذه الثروة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"