أحلام إيران وأوهام تركيا

02:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. مصطفى الفقي

لو قارنا القوى الثلاث غير العربية في غرب آسيا، لرصدنا الطموح الإيراني، والتحرك التركي، والأطماع «الإسرائيلية»، مع اعترافنا بالفارق في درجة الخطورة بين هذه الدول الثلاث التي تتشاطر النفوذ، وتتقاسم التأثير في المنطقة التي تعتبرها مصر مجالاً حيوياً بالمفهوم التاريخي، والواقع الجغرافي. ف«إسرائيل» تعاملنا معها، حاربناها، وفاوضناها، ووقعنا معها اتفاقية سلام، ونحن نعرف حجم التوقعات المستقبلية في علاقاتها مع بعض دول المنطقة، وامتداد ذلك سياسياً وثقافياً بالغرب الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية, أما الدولتان الأخريان، إيران وتركيا، فهما دولتان مسلمتان لهما احتكاك طويل بالعرب، ومواجهات متكررة مع دول الخليج العربي من خلال قضايا عدة، أبرزها الجزر المحتلة بالنسبة لإيران، والتوسع والهيمنة بالنسبة لتركيا، كذلك فإن الثورة الإيرانية عام 1979 خلقت صداماً طبيعياً بين طهران وجيرانها، بل ومن هم أبعد من ذلك، إذ سيطر منطق تصدير الثورة على عدد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية، بما أدى إلى اشتعال المواقف، واحتدام الصراع، وهو ما سبب إزعاجاً واضحاً، خصوصاً في منطقة الخليج، والجزيرة العربية، وقد ساعد إيران على الامتداد في العقود الأخيرة تنامي ظاهرة محاولة نشر أيديولوجية ترفع شعار دعم «حزب الله» في لبنان، وتفتح معركة طويلة المدى مع الولايات المتحدة الأمريكية حول المشروع النووي الإيراني، فإذا العالم مشغول بإيران، صباح مساء، وهذا في حد ذاته شعور يرضي الإحساس المبالغ فيه لدى إيران، بزهو القوة، والحذر من صواريخها التي حاولت بها أكثر من مرة أن تضع العالم على حافة المواجهة العسكرية، كأنما تستعيد فلسفة سياسة حافة الهاوية التي اتبعها وزير الخارجية الأمريكي (جون فوستر دالاس)، على اعتبار أن التصعيد الكلامي بشأن الاستعداد للحرب يمنع وقوعها، وقد برعت الدبلوماسية الإيرانية في رفض سياسات الولايات المتحدة الأمريكية مع جسارة واضحة في المواجهة، ويبدو أن ذلك النمط من السياسات ينجح في مواجهة القوى الكبرى أحياناً، وقد رأينا واشنطن ومعها «إسرائيل» تحذران إيران، صباح مساء، باحتمال توجيه ضربة عسكرية ضدها، وبينما الولايات المتحدة الأمريكية تهدد إيران كل يوم فإنها تكتفي ب«ضرب» العرب بطرق متعددة، ولدينا مثل شعبي في العامية المصرية يقول (اضرب المربوط يخاف السايب). إن أحلام إيران أصبحت طرفاً فاعلاً في سياسات غرب آسيا، والشرق الأوسط، بل والقارة الإفريقية أيضاً، أما إخواننا الترك فقصتنا معهم طويلة بدأت مع الفتح العثماني، حتى امتزج الأتراك مع شعوب المنطقة، بل إن الكثيرين من العرب يتباهون أحياناً بأن دماءً تركية تجري في عروقهم، وقد نجح السلطان التركي في خلق هالة للخلافة الإسلامية في ظل حكم آل عثمان، وظلت العلاقات التركية العربية طبيعية لعدة عقود، منذ سقوط حلف بغداد، ولم يعكّرها إلا الاتهامات التركية لسوريا بدعم أكراد تركيا، وتحريضهم ضد الدولة التركية الحديثة، وأنا أتذكر من أيام عملي مع الرئيس الأسبق حسني مبارك، أنه قام بزيارة وساطة إلى أنقرة استطاع خلالها أن ينزع فتيل المواجهة العسكرية المحتملة بين سوريا، وتركيا، وقد كان وصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة بمثابة فصل جديد في العلاقات بين الأتراك والعرب، فقد جاء الرجل وفي خلفيته آمال تاريخية، وأحلام عثمانية، فبدأ يتعامل مع المنطقة بمنطق خليفة المسلمين، وحاول استخدام بعض تيارات الإسلام السياسي في تعزيز سياسته ودعم دوره في مواجهة الآخرين، واقترب كثيراً من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وعندما سقطت حكومتهم استشاط غضباً، وبدأ حرباً إعلامية ودعائية ضد مصر، وجيشها، ورئيسها، ولا يزال الصراع محتدماً لأن غضب أردوغان لابد أن يتوازى مع حجم الأمل الذي كان يشعر به في الانطلاق من «شرعية» الإخوان المسلمين، باعتبارها جماعة أسسها الشيخ حسن البنا بعد سقوط الخلافة بسنوات قليلة، حتى كان انهيار حكمهم في القاهرة بمثابة لطمة كبيرة لأحلام الخليفة العثماني الجديد، رجب طيب أردوغان، ولذلك فإن الخلاف مع مصر - على سبيل المثال - هو خلاف بين رئيس الدولة التركية، والسياسات المصرية، وبعض التوجهات العربية، من دون أن يكون في ذلك أسباب حقيقية إلا سقوط مشروع أردوغان، وشعوره بالإخفاق معتبراً أن ما حدث في مصر يوم 30 يونيو/‏ حزيران 2013، و3 يوليو/‏ تموز بعده بثلاثة أيام، هو انقلاب على الشرعية من وجهة نظره، وصفعة كبيرة لمشروعه الذي كان مدعوماً من الغرب، ومباركاً من الولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا يجد العرب أنفسهم محصورين بين سياسة «إسرائيلية بعيدة المدى، وأحلام الترك الذين لا يزالون يعيشون على تراث الماضي، ويجترون ذكريات الخلافة، تحركهم دوافع اقتصادية، وآمال توسعية على الحدود العراقية والسورية، في ظل الأوضاع الأخيرة في المنطقة، ونحن لا نريد في النهاية أن يعيش العرب في هذا الزحام كأنهم الأيتام على مائدة اللئام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"