تحقيق: راندا جرجس
يعد التهاب السحايا من الحالات الطبية الخطرة؛ حيث إنه يستهدف منطقة دقيقة في جسم الإنسان، فهو يصيب الأغشية المخاطية المحيطة بالدماغ والنخاع الشوكي، ولهذا المرض عدة أنواع، تختلف أعراضها ومضاعفاتها وطرق علاجها من شخص لآخر، ويعد التشخيص الدقيق نقطة البداية في خطة التداوي، وبشكل عام فإن معدلات الشفاء تزيد عند الصغار أكثر من البالغين، وفي حالات التهاب السحايا الجرثومي، يمكن أن تصل نسبة الشفاء إلى 90% عند التدخل المبكر، أما الناجم عن العدوى الفيروسية أو الالتهابات البكتيرية فيحتاج إلى خيارات علاجية مناسبة؛ للسيطرة على تطور الأعراض؛ والحد من مخاطر المرض، وفي السطور القادمة يسلط مجموعة من الخبراء والاختصاصيون في المجال الطبي الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.
تقول الدكتورة سويتا براكاش أخصائية طب الأعصاب: إن التهاب السحايا مشكلة مرضية تصيب السائل والأغشية المحيطة بمنطقة الدماغ والحبل الشوكي، ويحدث على الأغلب لمعظم الأشخاص؛ نتيجة عدوى فيروسية، أو بسبب مواد أخرى بكتيرية أو فطرية، وتستهدف هذه الحالة كافة الأعمار من الطفولة إلى الشيخوخة، ويزداد خطر الإصابة عند الذين يعانون اضطرابات الجهاز المناعي، ولديهم أمراض كفيروس نقص المناعة البشرية والأورام الخبيثة ومن يتناولون الأدوية المثبطة للمناعة، وتبدأ علامات المرض بالصداع وارتفاع في درجة الحرارة، وتيبس الرقبة، ويمكن أن تعاني نسبة كبيرة من المرضى تطور هذا الالتهاب في حال عدم التدخل الطبي المبكر.
فحوص تشخيصية
تبين د.سويتا أن تشخيص مرض التهاب السحايا يتم عن طريق إجراء البزل القطني، وإزالة السائل من الجزء الخلفي من العمود الفقري، أو ما يطلق عليه مسمى (السائل النخاعي)، ثم إرساله للمختبر للفحص الروتيني والمجهري، ويجب إجراء بعض الفحوص الأخرى كاختبار الدم الشامل، والرنين المغناطيسي للدماغ؛ للتأكد من وجود الإصابة ومدى تطورها.
تأثيرات سلبية
تلفت د.سويتا إلى أن الإصابة بالتهاب السحايا تؤثر سلباً في المريض؛ حيث يعاني تلفاً دائماً في الدماغ، أو يتعرض البعض للإنتان أو العدوى المنتشرة، أو تتضرر أعضاء أخرى إذا لم يتم علاجهم في الوقت المناسب، ويمكن للمرضى أن يصابوا بالسكتة الدماغية أو التهاب الأوعية الدموية بعد التهاب السحايا، وفقدان السمع، العمى، ضعف الأعصاب، الشلل، الرنح، وتعد النوبات هي الآثار الجانبية الأكثر خطورة نتيجة التهاب السحايا الشديد.
أسباب متعددة
يذكر الدكتور شيخ باشا أخصائي الطب الباطني أن السحايا هي الأغشية التي تغطي الدماغ والحبل الشوكي، ويطلق على الالتهاب الذي يصيب هذه المنطقة (حمى الدماغ)، وتنجم هذه الحالة عن الإصابة بالعدوى أو بعض الأمراض، وهي كالآتي:
* الفطريات.
* وجود البكتيريا مثل المكورات السحائية، العقدية، الهيموفيلوس، المتفطرة (السل).
* فيروسات مثل الهربس البسيط، جدري الماء، شلل الأطفال، فيروس نقص المناعة البشرية إلخ.
* البروتوزوا، طفيليات مثل التوكسوبلازما، الأميبا.
* يمكن أن يحدث التهاب السحايا أيضاً بسبب الأورام الخبيثة والسرطان مثل: اللوكيميا والورم اللمفاوي، والحالات غير المعدية مثل الساركويد والذئبة الحمراء إلخ، ولكنها تعتبر من الحالات النادرة.
أعراض المرض
يوضح د.شيخ أن السائل النخاعي يدور في الفراغ بين منطقة الحنون والعنكبوت في الدماغ، ويصيب التهاب السحايا ثلاثة أغشية في هذا الجزء الذي يحيط بالمخ والنخاع الشوكي، وهي (دوراماتير، عنكبوتي، بياماتر)، وتعد أعراض الإصابة مزيجاً من بعض العلامات المزعجة كالحمى والصداع والقيء المصاحب للرهاب من الضوء، وعدم تحمل الأنوار الساطعة، إضافة إلى النعاس أو الحالة المشوشة وتيبس الرقبة.
مشكلات مرضية
يوضح الدكتور نور الدين ودهافانيا أخصائي الجهاز التنفسي أن التهاب السحايا يصيب الغطاء الواقي الذي يحيط بالدماغ والحبل الشوكي، ما يؤدي إلى تضررهما، ويعتبر من أكثر المضاعفات شيوعاً لدى المرضى هو فقدان السمع الذي يكون جزئياً أو كلياً، وفي الحالات الشديدة يمكن أن يضطر المريض إلى زراعة القوقعة، وينجم أيضاً عن الإصابة بالتهاب السحايا معاناة المصاب من مشكلات عديدة في المشي، والتركيز، وصعوبة التعلم، والشعور بالدوخة، والتقيؤ، واضطرابات النوم، أو فقدان البصر جزئياً أو كلياً، أو الصرع أو التسبب بالفشل الكلوي، إضافة إلى الآفات النفسية التي تقود المريض لنوبات غضب مفاجئة والشعور بالاكتئاب.
ويضيف: يتسبب هذا المرض في أسوأ الحالات بوفاة المريض، وربما يؤدي التهاب السحايا البكتيري للإصابة بتعفن الدم والطفح الجلدي في أماكن مختلفة من الجسم، ويترك آثاراً يتضرر منها المصاب بشكل دائم حتى بعد الشفاء، ويعاني فقداناً محدوداً للرؤية والسمع، وتشكل لطخات مستمرة من الطفح الجلدي على أنحاء مختلفة من الجسم كالأرجل والظهر والبطن.
خيارات علاجية
يؤكد د.نور أن معرفة أسباب الإصابة بالتهاب السحايا تعد أهم خطوات التداوي، سواء كانت ناجمة عن العدوى الفيروسية أو الالتهابات البكتيرية أو الفطرية؛ حيث إن هذه المشكلة تعد من الحالات الخطرة التي تهدد حياة المريض، لأنها تصيب الغشاء المحيط بالدماغ والحبل الشوكي، ويتم تحديد نوع العلاج كالآتي:-
- في حالة التهاب السحايا البكتيري، تستخدم عادة المضادات الحيوية التي يتم إعطاؤها عن طريق الوريد، أو الستيروئيدات القشرية؛ وذلك لمنع استفحال حالة المريض وتعرض الدماغ للورم أو نوبات الصرع.
- التهاب السحايا الفيروسي هو الأقل خطورة، وربما تتحسن حالة المريض من تلقاء ذاتها، مع ضرورة الالتزام بالراحة التامة، وشرب الكثير من المياه والسوائل، وفي حال تعذر معرفة سبب الالتهاب، يقوم الطبيب بإعطاء المصاب المضاد الحيوي والمضاد الفيروسي معاً.
نسبة الشفاء
يلفت د.نور إلى أن نسبة الشفاء من التهاب السحايا تعتمد على العلاج المبكر، ففي حال الإصابة بالنوع البكتيري غير المعالج، يمكن أن يتسبب بوفاة المريض، أما التدخل الطبي المبكر عند ظهور الأعراض وتأكيد التشخيص يخفض عوامل الخطر، وبشكل عام تكون نسبة الشفاء مرتفعة لدى المواليد الجدد والأطفال الأكبر سناً مع الالتزام بالوصفات الدوائية والعلاجية، في حين تنخفض هذه النسبة لدى البالغين، وربما ترتفع معدلات الخطر إلى 19 – 37 %، واحتمالية عودة الإصابة بالتهاب السحايا قائمة لكنها قليلة نسبياً.
البزل القطني
يطلق على اختبار «البزل القطني» هذا الاسم لأن الإبرة المخصصة للفحص تمر من خلال أنسجة الجزء القطني من الظهر للدخول إلى القناة الشوكية، لجمع واستخراج وفحص السائل النخاعي الموجود في اغشيه الدماغ، ليتم من خلاله قياس عدد الخلايا، والبروتين، ونسبة السكر، وضغط السائل وتحديد مستوى الكمية الموجودة ومدى ارتفاعها أو نقصانها، ويعد هذا الفحص من أهم الوسائل الدقيقة التي تسهم في تشخيص الحالات الطبية الحرجة التي تهدد الحياة وتساعد على تأكيدها أو استبعادها، وأبرزها مرض التهاب السحايا، كما يلجأ الأطباء لهذا الفحص؛ للكشف عن نزف تحت العنكبوتية في الدماغ أو في الحبل النخاعي، وأمراض الجهاز العصبي المركزي كالتصلب المتعدد أو متلازمة جيليان بري، وأورام المخ الخبيثة وابيضاض الدم عند الأطفال، وعلى الرغم من فوائد فحص البزل القطني إلا أن بعض المرضى يمكن أن يتعرضوا لبعض المخاطر بعد هذه الإجراء، كالصداع، آلام الظهر، تخدر مؤقت في الساقين، نزيف بالقرب من موضع الثقب، وتحرك أنسجة الدماغ من وضعها الطبيعي في الجمجمة في الحالات النادرة.
