صفقة قانون الغاب

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

يبدو أن ما خفي من «صفقة القرن» بات واضحاً، حيث إن بعض التصريحات من المطلعين عليها تشير إلى خلوها من الإشارة إلى دولة فلسطينية، بل ستؤكد على حق الاحتلال في ضم الضفة الغربية المحتلة باستثناء المدن المكتظة التي سيسمح لها بإدارة شؤونها المحلية تحت الاحتلال. فقد قال مسؤول «إسرائيلي»، يوم الثلاثاء الماضي، إن «اعتراف» الولايات المتحدة بسيادة الكيان على مرتفعات الجولان السورية المحتلة يحدد مبدأ يمكن بموجبه الاحتفاظ بأراض تم احتلالها خلال «حرب دفاعية» على حد زعمه.
وقال المصدر نفسه، والذي رافق بنيامين نتنياهو، من واشنطن إلى مطار اللد، إن «الجميع يقولون إنه لا يمكن الاحتفاظ بأراض محتلة، وها هو ممكن»، مضيفاً «إذا تم احتلاله خلال حرب دفاعية فهو لنا»، مع أن حرب سنة 1967 كانت عدواناً «إسرائيلياً» مخططاً على الدول العربية ولم تكن دفاعية كما يدعي هذا المسؤول.
إن حكومة الاحتلال تعتبر الاعتراف بسيادتها على الجولان السوري، يمكن أن يشكل أساساً لحملة مستقبلية تجاه البيت الأبيض تطالب بالاعتراف «بالسيادة الإسرائيلية على المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية المحتلة وهي تشكل قرابة 61 في المئة من أراضي الضفة. هذا المبدأ الذي ابتدعه ترامب بالاعتراف بالقدس ثم الجولان كجزء من «إسرائيل» يعتبر عودة إلى قانون الغاب ويتعارض مع الشرعية والقانون الدولي. وبات واضحاً أن «صفقة القرن» ستضم أغلبية أراضي الضفة إلى الاحتلال وتحرم الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم على ترابهم الوطني. وقد أكد السفير الأمريكي فريدمان قبل فترة أن الصفقة لا تشمل إقامة دولة فلسطينية، وزعم جاريد كوشنر صهر الرئيس أن «الصفقة» تقوم على «حلول واقعية وعادلة وتركز على أربعة مبادئ هي: الحرية والاحترام والفرصة والأمن أولاً» وهنا يمكن ربط هذه الفقرة بإسهاب رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو في كلمته المنقولة تلفزيونياً في مؤتمر «ايباك» في الولايات المتحدة حيث تناول قانون القومية اليهودية بالشرح، وزعم أنه يساوي بين اليهود والمسيحيين والمسلمين وهو كلام كاذب لأن تصريحاته التي سبقت ذلك أشار فيها إلى أن «إسرائيل» هي لليهود فقط. وعودة إلى كلام كوشنر فإنه قال إن خطتنا ستعالج قضايا الوضع النهائي، لكنه لم يشرح هذه القضايا، فإذا استبعدنا القدس واللاجئين والأرض والحدود فما الذي يبقى من القضية الفلسطينية؟
الخطة تتحدث عن السلام الاقتصادي فقط، وتحسين معيشة الفلسطينيين وهوما أشار إليه الكثيرون من المسؤولين الأمريكيين و«الإسرائيليين» ممن لهم علاقة بالصفقة. ولعل كتاب شركة كوشنر الذي صدر مؤخراً يؤكد ذلك رغم النفي الذي ورد على لسان المبعوث الأمريكي غرينبلات، لأن كوشنر نفسه أشار إليها باستفاضة العام الماضي عندما تحدث عن السلام الاقتصادي مركزاً على إنعاش غزة بإقامة مشاريع صناعية وماء وكهرباء ولم يشر إلى ماهية الحكم في غزة. هذه الصفقة تعتمد وفقاً لما نضح منها على التلفيق وتجاوز الحقوق الفلسطينية وتعتمد على أفكار سبق أن طرحت من قبل اليمين «الإسرائيلي» عند الانسحاب الأحادي من غزة سنة 2005 حيث كشف باحثون يمينيون أن جوهر خطة شارون للانسحاب من غزة هو تصدير القضية الفلسطينية إلى الدول العربية، وأن الخطوة التالية هي ترسيم الحدود في الضفة من جانب واحد، حيث كشف شارون قبل غيبوبته المميتة، وتشكيل حزب «كاديما» بعد انفصاله عن الليكود، أن «إسرائيل»سترسم حدودها بحيث تشمل الأغوار والمستوطنات، أما المناطق الآهلة بالسكان المصنفة «أ» فهي للفلسطينيين مع ممر نحو الأردن ولا سيادة للفلسطينيين على الحدود والأرض وما تحتها، وبالطبع القدس أيضاً، ويمكنهم تسميتها «كياناً» أو «إمبراطورية» كيفما شاؤوا على حد قوله.
«صفقة القرن» هي خطة شارون مع إضافات اقتصادية تقتضي التطبيع وقبول دولة الاحتلال والتعاون معها عربياً. لكن العارفين بتطورات القضية ومن شاركوا في المفاوضات حولها ومنهم المبعوث الأمريكي اليهودي دينيس روس قال مؤخراً: إن أية خطة سلام لا تشمل إقامة دولة فلسطينية ستمنى بالفشل. ويمكننا أن نقول إزاء قانون الغاب الذي أقره ترامب إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وليأخذ الصراع مداه إلى يوم الدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"