عادي

«بيتكوين» والبيئة.. هل من مبرر لقلق إيلون ماسك؟

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: هشام مدخنة

فتح قرار إيلون ماسك الأخير وقف قبول «تيسلا» تعاملاتها ب«البيتكوين» كوسيلة دفع مقابل شراء السيارات الكهربائية، باباً على مصراعيه أمام تدقيق جديد في التأثير البيئي للعملة المشفرة.

واستشهد عرّاب «تيسلا» ببيانات من باحثين في جامعة كامبريدج تُظهر ارتفاع استهلاك «البيتكوين» للكهرباء هذا العام، وأشعل مخاوف بشأن الزيادة السريعة في استخدام الوقود الأحفوري لتعدين العملة الرقمية.

بالمقابل لن تبيع صانعة السيارات الكهربائية الأمريكية رصيدها الخاص من عملة «البيتكوين» والبالغة قيمته 2.5 مليار دولار.

وقال ماسك إنه يعتزم استئناف المعاملات بمجرد أن ينتقل التعدين الرقمي إلى استخدام طاقة أكثر استدامة، مضيفاً أنه يبحث أيضاً في العملات المشفرة الأخرى التي تستخدم أقل من 1% من طاقة معاملات «البيتكوين».

1

وأثار كل ذلك اضطراباً واسعاً في أسواق العملات المشفرة خلال الأيام الماضية؛ الأمر الذي أفقدها ما يصل إلى 365 مليار دولار من حيث القيمة منذ تغريدة ماسك.

ماذا يقصد رئيس تيسلا؟

لطالما كان منتقدو «البيتكوين» حذرين من تأثيرها على البيئة؛ إذ تستهلك العملة المشفرة سنوياً طاقة أكثر من استهلاك دول بأكملها مثل السويد وماليزيا، وفقاً لجامعة كامبريدج.

ولفهم سبب استهلاك «البيتكوين» للطاقة بشكل كبير، عليك أن تنظر إلى تقنيتها الأساسية، «بلوك تشين».

إن «دفتر الأستاذ العام» في «بيتكوين» لامركزي، مما يعني أنه لا يخضع لسيطرة أي سلطة بمفردها. ويتم تحديثه باستمرار من خلال شبكة من أجهزة الكمبيوتر حول العالم. وتبدو عملية التعدين كمركز بيانات، حيث يقوم ما يسمى ب«المُعدِّنون» (عمال المناجم الرقميون) بمتابعة هذه الأجهزة الخاصة التي تمت برمجتها لحل ألغاز التشفير المعقدة من أجل صك عملات «بيتكوين» الجديدة.

وبمجرد أن يحل كمبيوتر التعدين خوارزمية التجزئة المعقدة، يصبح من السهل على شبكة «بيتكوين» التحقق من الإجابة، والموافقة على إضافة كتلة المعاملات إلى «دفتر الأستاذ العام» وكل ذلك يستهلك كمية هائلة من الطاقة من مصادر متعددة.

من الجدير بالذكر أن عملة «دوج كوين» والتي ارتفعت قيمتها بشكل جنوني مؤخراً على خلفية دعم «ماسك» أيضاً، تستخدم نفس الآلية.

وتوضح كارول ألكساندر، الاقتصادية والأستاذة بجامعة ساسكس البريطانية، أن صعوبة تعدين «البيتكوين» في ازدياد مستمر على مدار السنوات الثلاث الماضية وسط استخدام مزيد من الكهرباء.

وارتفع سعر عملة «البيتكوين» الرقمية بنسبة 70% تقريباً لهذا العام. ومع ارتفاع الأسعار، تزداد إيرادات المُعدِّنين، مما يحفز مزيداً من المشاركة في تعدين العملة المشفرة، وبالتالي مزيداً من الطاقة والأثر البيئي.

لم يكن ماسك الشخص الوحيد الذي يشعر بالقلق إزاء التأثير البيئي لعملة «البيتكوين»، فقد حذّرت أيضاً وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في فبراير/شباط الماضي من أن العملة الرقمية «ليست فعالة أبداً» لإجراء المعاملات وتستخدم قدراً كبيراً من الطاقة.

هل تضر «البيتكوين» البيئة؟

إنه لأمر معقد بالفعل؛ إذ تستخدم شبكة «البيتكوين» المالية كمية لا يمكن فهمها من الطاقة، ويتركز كثير من تعدين العملة الرقمية في الصين، التي لا يزال اقتصادها يعتمد بشكل كبير على الفحم، وفي الشهر الماضي، غُمر منجم فحم في منطقة شينجيانج وتم إغلاقه، واستنزف ذلك ما يقرب من ربع معدل تجزئة «البيتكوين»، أو قوة الحوسبة، وفقاً لموقع «كوين ديسك».

وفي مارس/آذار، قالت منطقة منغوليا الداخلية في الصين، إنها ستغلق عمليات تعدين العملات المشفرة في المنطقة بسبب مخاوف بشأن استهلاك الطاقة، من جانب آخر حاول مستثمرو «البيتكوين» دعم عملتهم الرقمية والوقوف في وجه السرد القائل إنها تضر بالبيئة.

وفي حين أنه من الصعب تحديد مزيج الطاقة الفعلي الذي يُشغّل عملات «البيتكوين»، يقول البعض في صناعة العملات المشفرة، إنه من المُربح أكثر للمُعدِّنين الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لأن إنتاجها بات أرخص من أي وقت مضى. وتجتذب مقاطعة سيتشوان الصينية هؤلاء المُعدِّنين بسبب رخص الكهرباء وموارد الطاقة الكهرومائية الغنية.

في الشهر الماضي، أشارت شركة التكنولوجيا المالية «سكوير»، وشركة إدارة الأصول «آرك إنفست» إلى أن عملة ال«بيتكوين» ستقود بالفعل الابتكار في مجال الطاقة المتجددة. ومع ذلك، لاقت تلك الإشارة الكثير من الانتقاد، بحجة أن للشركتين مصالح في الترويج لذلك.

من جهتها اعتبرت كارول أن الجدل حول التأثير البيئي لعملة «البيتكوين» كان مضللاً لأن معظم المعاملات مع الأصول الرقمية لا تحدث عبر تقنية «بلوك تشين»؛ بل في الأسواق الثانوية.

تنامي مخاوف الحوكمة

بغض النظر عما إذا كانت عملة «البيتكوين» ملوّثة للبيئة أم لا، فإن الدلالات السلبية حول استهلاكها للطاقة قد أثارت قلق المستثمرين الذين يدركون المسؤوليات الأخلاقية والبيئية للشركات.

وأصبحت الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، اتجاهاً متنامياً في الأسواق المالية، مع قيام مديري المحافظ على نحو متزايد بدمج الاستثمارات المستدامة في استراتيجياتهم، وهذا ما قد يُشعر بعض مساهمي «تيسلا» بالقلق من أن الشركة تراهن بشكل كبير على «البيتكوين»، بينما تدعي أنها شركة طاقة خضراء!.

وقال ليث خلف المحلل المالي في شركة «إيه جيه بيل» الاستثمارية: «سيتساءل داعمو «البيتكوين» إلى أين سيقود ذلك مستقبل العملة المشفرة؟،» مضيفاً بأن المسائل البيئية تعتبر موضوعاً حساساً بشكل لا يصدق في الوقت الحالي، وقد تكون خطوة «تيسلا» الأخيرة بمثابة جرس إنذار للشركات والمستهلكين الذين يستخدمون «بيتكوين» دون التفكير في بصمتها الكربونية.

ومن المؤكد أن قرار صانعة السيارات الكهربائية سيضغط على الشركات الكبرى الأخرى التي تقبل تعاملات «بيتكوين» لمراجعة ممارساتها ضمن أطُر الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات مع المستثمرين القلقين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"