حرب أمريكية صينية لبناء القطبية

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

فشل العالم في أن يكون متعدد القطبية، وعوضاً عن بناء نظام دولي متوازن على أنقاض سقوط الاتحاد السوفييتي، يأخذ في الحسبان مصالح اللاعبين الكبار، ويفتح الأبواب أمام قيم جديدة، تحتاج إليها الشعوب، والدول الأقل تأثيراً في أمريكا اللاتينية، وآسيا، وإفريقيا، وجدنا فوضى عارمة في النظام الدولي، وتناقضاً بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بل تراجعاً، وانكفاءً، كما في ولايتي الرئيس الأسبق، باراك أوباما، واليوم، يدفع العالم كله ثمناً باهظاً لغياب ونقص الإرادة لدى مختلف القوى الكبرى، بل وانتهازية غير مسبوقة في الهروب من تحمّل المسؤوليات.
وكشف انتشار وباء «كورونا» عن مخاوف كبرى، فأطلقت صفارات إنذار تدعو للعودة إلى الحمائية، بمعناها المحدود، والضيق، في مجال الصناعات، بعد أن كانت معظم الصناعات الكبرى قد أصبحت عولمية الطابع، تمتد خطوط إنتاجها، وتتوزّع في بلدان عدة، فجادل سياسيون، وبرلمانيون، وفلاسفة، خصوصاً في أوروبا، وأمريكا، حول الجدوى من العولمة التي لا تستطيع أن تؤمّن لوازم طبية بسيطة مثل الكمامات، والقفازات، وأجهزة التنفس الاصطناعي، بل إن مثل هذه الصناعات الضرورية تلقى حالة من الإهمال، بينما تجتاح صناعات معينة العالم كلّه، وبعضها مخصّص للترفيه فقط، ولا تعدّ ضمن نطاق الضروريات لحياة، وصحة البشر. لكن وباء «كورونا» ليس سوى المناسبة التي لم يتمكن أحد من تجاهلها، ومعظم ما نجده اليوم من نقاشات كان سيطرح قريباً، بل وقريباً جداً، فالتوتّر الأمريكي الصيني يمضي بوتائر متسارعة، وإذا كان البعض يعتقد أن الرئيس دونالد ترامب، هو من فجّر الأزمة مع الصين، فهو يتجاهل أن الأزمة بدأت منذ عقود بين أمريكا، والصين، وقد وجدها ترامب بعد مجيئه على سلّم أولويات المؤسسات الأمريكية المعنية بدراسة المصالح الأمريكية، حتى أن استراتيجية الرئيس الأسبق أوباما كانت تمضي نحو المواجهة مع الصين، لكن بخطوات وآليات مختلفة، كما أنها لم تتمكن من إبرام اتفاقيات لإدارة العولمة مع الصين، بل إن الصين في عهده زادت من نفوذها، وتقدمها.
العالم يستهلك في العقد الأخير من لحمه الحي، فقد وصلت مديونيات الدول أعلى ثلاث مرات من مجموع النواتج القومية العالمية مجتمعة، وتجاوزت مديونيتا كل من أمريكا والصين حاجز المئة في المائة من ناتجهما القومي، وهو حال الكثير من الدول المصنفة في قائمة «الدول الأولى»، أو «مجموعة العشرين»، مع توسّع الهوّة بشكل غير مسبوق بين الأثرياء، والفقراء في جميع دول العالم، وقد رصدت منظمة «أوكسفام» البريطانية تنامي ثروات أغنياء العالم، وجاء في تقرير لها أن «ثروة واحد في المئة من أغنى أثرياء العالم تفوق ثروات بقية العالم مجتمعة»، ما يوضح بشكل قطعي حالة الخلل العالمية في توزيع الثروات.
ومنذ عام 2018، والولايات المتحدة تضغط على الصين من أجل إعادة ضبط التجارة العالمية، والالتزام بمبدأ حقوق الملكية الفكرية، حيث تتهم واشنطن بكين بسرقة حقوق الملكية الفكرية، ومراكمة أموال طائلة جرّاء ذلك، بينما تتنصل الصين من القيام بخطوات جدية في هذا المجال، بل إن مسؤوليها اعترفوا في غير مناسبة، بأن أمام بلادهم «مشوار طويل» قبل الوصول إلى قوانين صارمة لحماية الملكية الفكرية. وفي العامين الأخيرين، وجّه الرئيس ترامب اللوم لحلفائه الأوروبيين في قضايا عدة، من بينها التساهل مع الصين، على حساب العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، حيث تقدم الصين مغريات كبيرة للشركات الأوروبية للاستثمار فيها، في الوقت الذي لا تبدو فيه الدول الأوروبية جدية في الدفاع عن «حلف الناتو»، الذي تتكفّل الولايات المتحدة بمعظم نفقاته، حيث تدفع واشنطن نحو 70% من نفقات الحلف، مع أن إحدى مهامه الرئيسية هي حماية أوروبا.
وتعتقد واشنطن، عبر مراكز أبحاثها الكبرى، المرتبطة «بالبنتاجون»، أن الخيارات في مواجهة الصين أصبحت محدودة، وأن الحرب قد تكون، في لحظة ما، هي الخيار الوحيد، فالمعركة مع الصين هي معركة وجود، من أجل الإبقاء على مكانة أمريكا في العالم، وأن تجنّب الحرب هو خيار صيني، فبكين لا تزال ترفض الجلوس على طاولة التفاوض، خوفاً من أن يكون أي اتفاق مع واشنطن بمثابة إقرار بالإذعان لواشنطن، لكن أي حرب مقبلة بين الطرفين، ومهما كان نطاق توسعها، أو محدوديتها، فلها هدف واحد، وهو العودة إلى نظام ثنائي القطبية، لكن قبل ذلك، ستكون هناك أثمان باهظة ستدفعها معظم شعوب العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"