ثلاث أكاذيب حول الحرب التجارية

04:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

ثلاثة أوهام أو أكاذيب كبرى انتشرت في واشنطن الأسبوع الماضي، بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر لاحتواء النزاع التجاري بين الجانبين. الأكذوبة الأولى: هي أنه تم نزع فتيل حرب تجارية مدمرة بين الحليفين. الثانية: أن هذه النهاية السعيدة جاءت على حساب الأوروبيين وبالتالي فإن الطرف الذي خرج منتصراً هو ترامب. أما الثالثة: فهي أن الجانبين سيعملان بقوة للوصول إلى مرحلة الحواجز الجمركية المعدومة.
بعيداً عن الدعايات السياسية تنطق الحقائق المجردة بواقع مختلف. الثابت أن الحرب التجارية قائمة بالفعل منذ الشهر الماضي عندما فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على صادرات الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك من الصلب وبنسبة 10% على الألمنيوم. وقد رد الأوروبيون بفرض رسوم على صادرات أمريكية بقيمة 3,3 مليار دولار. وكل هذه القرارات ما زالت سارية ولم يعلن الاجتماع عن تجميدها.
ما أسفر عنه لقاء ترامب ويونكر في الواقع هو هدنة كما أطلق عليها العديد من الصحف الغربية. وغاية ما نجح فيه هو تجنب تصعيد الحرب أو الحيلولة دون اندلاع جولة جديدة فيها، أما الحرب نفسها فلم تنطفئ جذوتها بعد.
الوهم الآخر الذي تحاول واشنطن تسويقه هو أنها الطرف الرابح في التسوية الأخيرة على فرض أن هناك تسوية تحققت من الأصل، وتستند الدعاية الأمريكية هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي وافق على شراء كميات كبيرة من فول الصويا والغاز المسال من أمريكا.
وقد اتفق الجانبان على ذلك بالفعل، غير أنه يجب توضيح أمرين مهمين الأول أنه لم يتم تحديد موعد أو كمية أو قيمة هذه الصفقات. وأحيل ذلك للمفاوضات التي قد تنجح أو تتعثر أو تستمر لسنوات فلم يتم أيضاً الاتفاق على جدول زمني لها.
الأمر الآخر، أنه إذا كانت موافقة الأوروبيين المبدئية على شراء هاتين السلعتين تمثل تنازلاً، فإن ترامب هو الآخر تراجع عن تهديده بفرض رسوم على السيارات الأوروبية. مع ملاحظة أنه لا توجد ضمانات لالتزام أي من الجانبين بموقفه، وهو ما يؤكد هشاشة الاتفاق بينهما الذي لا يعدو كونه تفاهمات شفهية لا ترقى للاتفاقيات الرسمية ذات البنود المحددة والملزمة للطرفين.
وتلفت مجلة «نيويورك تايمز» الأمريكية الانتباه إلى نقطة بالغة الأهمية وهي أنه من الخطأ اعتبار موافقة الأوروبيين على شراء الصويا الأمريكي تنازلاً لأن هذا الإجراء كان سيحدث حتى بدون لقاء ترامب ويونكر، ولتوضيح ذلك تقول إنه في بداية العام فرض ترامب رسوماً جمركية على واردات الصلب من الصين التي ردت برسوم على وارداتها من المنتجات الزراعية الأمريكية ومنها الصويا الذي أصبح ثمنه مرتفعاً للغاية. النتيجة المباشرة هي أن الصين تحولت إلى البرازيل واستحوذت على جانب هائل من صادراتها من الصويا. ولأن البرازيل كانت المصدر الأساسي للصويا بالنسبة للأوروبيين فقد بات هؤلاء يعانون من نقص المعروض، وبالتالي كان عليهم البحث عن موردين آخرين ستكون أمريكا حتماً من بينهم. أي أنه تطور تفرضه ضرورة تجارية وليس استجابة لضغوط ترامب.
للغاز قصة لا تختلف كثيراً، ملخصها أنه ليس من المرجح أن تُقبل أوروبا، حالياً على الأقل، على شرائه من أمريكا لأن لديها مصادر أرخص هي النرويج وروسيا، ولكن مع تراجع احتياطي النرويج فمن المؤكد أن أوروبا ستبحث عن بدائل وبالطبع ستكون أمريكا واحداً منها.
الأكذوبة الأخيرة تتعلق بالحواجز الجمركية المعدومة وهذا لا يمكن حدوثه لسبب بسيط، وهو أن الحكومات على جانبي الأطلسي تصر على تقديم دعم مالي وإعفاءات ضريبية للمنتجين الصناعيين والزراعيين الذين يمثلون كتلاً تصويتية مهمة في الانتخابات، أو يقدمون تبرعات سخية للمرشحين. وهذه الترتيبات في النهاية نوع من الإجراءات الحمائية بجانب الرسوم الجمركية. وقد حاول الجانبان التوصل إلى الصيغة الصفرية للحواجز التجارية إبان حكم الرئيس السابق أوباما وفشلا. وليس من المرجح أن ينجحا الآن أو مستقبلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"