بعد «كورونا».. انتعاش بعد انتكاس.. كيف؟

22:12 مساء
قراءة 3 دقائق

ذوالفقار قبيسي *

«نقطة ضوء» يراها صندوق النقد الدولي في ظلام الكورونا الحالية، هي أنه بعد كل كارثة وبائية عالمية، يشهد العالم نمواً اقتصادياً يفوق المعدل الذي كان متوقعاً قبل الكارثة. والسبب أن الكوارث والأزمات تدفع الناس إلى البحث عن وسائل جديدة للصمود والبقاء وآليات حديثة من النوع الذي يزيد الإنتاجية، وبالعدد الأقل من العمال الذين بقوا في منازلهم بنصف أو ربع راتب، أو سرحوا نهائياً من العمل بسبب الجائحة الوبائية التي بسبب تراجع الموارد اضطرت الجميع، أصحابَ عملٍ وعمالاً، إلى ترشيد الإنفاق والمزيد من الادخار والتركيز في الوقت نفسه، على إيجاد مصادر للمال داخلية وخارجية تحمي من مخاطر أزمات الحاضر ومفاجآت المستقبل، وشجاعة البدء بمشاريع ابتكارية ولو برساميل زهيدة، في مؤسسات من نوع الStartups & risk taking الصغيرة والمتوسطة، التي كان لا يضطر المستثمرون في الماضي إلى المغامرة فيها قبل الأزمة الوبائية.

و«الإكونوميست» البريطانية تعطي من تجارب الماضي والحاضر مؤشرات حول العلاقة بين الأزمات الوبائية وسواها من الأزمات، ومعدلات النمو الاقتصادي، ومنها أن متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة قبل الكورونا في الفترة 2016 - 2019 تجاوز بنسبة ضئيلة ال2%، فيما النمو المتوقع للاقتصاد الأمريكي لهذا العام يتجاوز ال6%، وفي فرنسا التي سيتجاوز النمو فيها ال5% هذا العام مقابل توقع سابق قبل الكورونا لا يصل إلى 2%، وفي بريطانيا من أقل من 2% إلى أكثر من 5%، وكندا من 3% إلى 5%، وإيطاليا من أقل من 2% إلى 4%، وألمانيا من 2,5% إلى 3,5%، واليابان من أقل من 1% إلى أكثر من 3%.

ومن تجارب الماضي أيضاً أن وباء الكوليرا الذي ضرب باريس خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر وقضى على نحو 3% من سكانها، أدى إلى تسريع عجلة الالتحاق بالثورة الصناعية. وأن وباء الطاعون الذي ضرب إنجلترا خلال سبعينيات القرن التاسع عشر أدى إلى مضاعفة معدلات الادخار لدى العائلة الإنجليزية، ومثلها معدلات الادخار في اليابان خلال الحرب العالمية الأولى. وأن وباء الإنفلونزا الإسبانية خلال العامين 1919- 1920 أدى إلى المزيد من الادخارات في الولايات المتحدة، وصولاً إلى ارتفاع قياسي خلال الحرب العالمية الثانية حين بلغ معدل الادخار لدى الأسرة الأمريكية في الأعوام 1941- 1945 نحو 40% من الناتج الإجمالي.

وفي لبنان؟ 

القليل يحصل من هذا الكثير. ومنه أن اللبنانيين الذين رغم أنهم الآن عموماً أكثر فقراً وبطالة، باتوا بسبب الجائحة الوبائية والأزمة الاقتصادية على قاعدة «مكره أخاك..» أكثر اهتماماً و«اختصاصاً» بالمسائل الاقتصادية والمالية ولا سيما المصرفية؛ حيث «مربط الخيل» لودائعهم إلى مدى مجهول، كما باتوا أكثر حرصاً على ترشيد إنفاقهم وزيادة ادخاراتهم.... وهذا بالنسبة للأقلية من الذين ما زال عندهم بقايا للإنفاق أو للادخار. وأما الأكثرية الساحقة منهم الذين وصل عددهم إلى ما يقترب من ٧٠% من المجموع، فهم في أوضاع مشوشة ومضطربة، وفي ظل نظام سائب فالت وفاقد لكل عناصر الجدية والأهلية والإرادة، وعاجز عن استثمار الفرص المجدية من الأزمات المستجدة، وإلى استنباط عناصر القوة الممكنة من عوامل الضعف الطارئة.

وكيف يمكن أن ينبت الإصلاح في تربة فساد؟!.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب لبناني

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"